الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (155)

أخرج ابن جرير عن كليب قال : خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران ، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها فلما انتهى إلى قوله { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } قال : لما كان يوم أحد هزمنا ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أَرْوَى ، والناس يقولون : قتل محمد فقلت : لا أجد أحدا يقول قتل محمد إلا قتلته ، حتى اجتمعنا على الجبل . فنزلت { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان . . . } الآية . كلها .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن عوف { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } قال : هم ثلاثة . واحد من المهاجرين ، واثنان من الأنصار .

وأخرح ابن منده في معرفة الصحابة عن ابن عباس في قوله { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان . . . } الآية . نزلت في عثمان ، ورافع بن المعلى ، وحارثة بن زيد .

وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } قال : نزلت في رافع بن المعلى وغيره من الأنصار ، وأبي حذيفة بن عتبة ، ورجل آخر .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } قال : عثمان ، والوليد بن عقبة ، وخارجة بن زيد ، ورفاعة بن معلى .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : كان الذين ولوا الدبر يومئذ : عثمان بن عفان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان ، أخوان من الأنصار من بني زريق .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن اسحق { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } فلان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان الأنصاريان ، ثم الزرقيان . وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضهم إلى المنقى دون الأغوص ، وفر عقبة بن عثمان ، وسعد بن عثمان ، حتى بلغوا الجعلب - جبل بناحية المدينة مما يلي الأغوص - فأقاموا به ثلاثا ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لقد ذهبتم فيها عريضة " .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } ذلك يوم أحد ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تولوا عن القتال وعن نبي الله يومئذ ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه ، فأنزل الله ما تسمعون أنه قد تجاوز لهم عن ذلك وعفا عنهم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { إن الذين تولوا منكم } يعني انصرفوا عن القتال منهزمين { يوم التقى الجمعان } يوم أحد حين التقى الجمعان : جمع المسلمين ، وجمع المشركين ، فانهزم المسلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقي في ثمانية عشر رجلا { إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا } يعني حين تركوا المركز وعصوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال للرماة يوم أحد " لا تبرحوا مكانكم فترك بعضهم المركز " { ولقد عفا الله عنهم } حين لم يعاقبهم فيستأصلهم جميعا { إن الله غفور حليم } فلم يجعل لمن انهزم يوم أحد بعد قتال بدر النار كما جعل يوم بدر . فهذه رخصة بعد التشديد .

وأخرج أحمد وابن المنذر عن شقيق قال : لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد : ما لي أراك جفوت أمير المؤمنين عثمان ؟ فقال له عبد الرحمن : أخبره أني لم أفر يوم عينين يقول يوم أحد ، ولم أتخلف عن بدر ، ولم أترك سنة عمر ، فانطلق فخبر بذلك عثمان فقال : أما قوله إني لم أفر يوم عينين فكيف يعيرني بذلك وقد عفا الله عني ؟ فقال { إن الذين تولوا يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } . وأما قوله : إني تخلفت يوم بدر فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت ، وقد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم ، ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم فقد شهد . وأما قوله : إني لم أترك سنة عمر فإني لا أطيقها ولا هو ، فأتاه فحدثه بذلك .

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن رجاء بن أبي سلمة قال : الحلم أرفع من العقل لأن الله عز وجل تسمى به .