إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (155)

{ إِنَّ الذين تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ التقى الجمعان } وهم الذين انهزموا يومَ أحُدٍ حسبما مرت حكايتُهم { إِنَّمَا استزلهم الشيطان } أي إنما كان سببَ انهزامِهم أن الشيطانَ طلب منهم الزللَ { بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } من الذنوب والمعاصي التي هي مخالفةُ أمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وتركُ المركزِ والحِرصُ على الغنيمة أو الحياةِ ، فحُرِموا التأييدَ وقوةَ القلب ، وقيل : استزلالُ الشيطانِ تولِّيهم وذلك بذنوب تقدمت لهم فإن المعاصيَ يجُرّ بعضُها إلى بعض كالطاعة ، وقيل : استزلّهم بذنوب سبَقتْ منهم وكرِهوا القتلَ قبل إخلاصِ التوبةِ والخروجِ من المظلِمة { وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ } لتوبتهم واعتذارِهم { أَنَّ الله غَفُورٌ } للذنوب { حَلِيمٌ } لا يعاجل بعقوبة المذنبِ ليتوب ، والجملةُ تعليلٌ لما قبلها على سبيل التحقيق ، وفي إظهار الجلالةِ تربيةٌ للمهابة وتأكيدٌ للتعليل .