التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (155)

قوله تعالى : ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ) المراد بذلك أن القوم الذين تولوا يوم أحد عند التقاء الجمعين وهم المؤمنون والمشركون وفارقوا المكان وانهزموا قد عفا الله عنهم بعد أن أوقعهم الشيطان في الزلل . وقوله : ( استزلهم ) أي حملهم على الزلل . أو طلب منهم الزلل . ومفرد الزلل زلة بمعنى خطيئة .

وتأويل الآية أن الذين انهزموا من أمام المشركين في أحد كان السبب في توليهم ( فرارهم ) أنهم كانوا أطاعوا الشيطان ؛ إذ ( استزلهم ) . أي دعاهم إلى الزلة بسبب بعض ما كسبوا من الذنوب ومنها أن زين لهم الهزيمة فانهزموا ؛ إذ تركوا المكن الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالثبات فيه فجرهم ذلك إلى الهزيمة ، لكن الله جلت قدرته قد عفا عن كهؤلاء القوم إذ تجاوز لهم عن توليهم يوم التقى الجمعان . وذلكم شأن الله مع عباده ، فهو بفضله ومنه يعفو عن المذنبين ويمحو الخطايا ويتجاوز عن ذنوب المسلمين المسيئين . وهذا مقتضى قوله : ( إن الله غفور حليم ) أي عظيم المغفرة لمن تاب وأناب ، وحليم لا يعجل بالعقوبة{[618]} .


[618]:- فتح القدير جـ 1 ص 391، 392 وتفسير البيضاوي ص 92 والكشاف جـ 1 ص 473 وتفسير الرازي جـ 9 ص 51- 53.