قوله عز من قائل : { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } يعني يوم أحد ، وذكر محمد بن إسحق أن ثلث الناس كانوا مجروحين ، وثلثهم انهزموا ، وثلثهم ثبتوا .
ومن المنهزمين من ورد المدينة وكان أولهم سعد بن عثمان أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل . ثم بعده رجال ودخلوا على نسائهم وجعل النساء يقلن : أعن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرون ؟ وكن يحثين التراب في وجوههم ويقلن : هاك المغزل أغزل . وقال بعض الرواة : إن المسلمين لم يعدوا الجبل . قال القفال : الذي تدل عليه الأخبار في الجملة أن نفراً قليلاً تولوا وأبعدوا ، فمنهم من دخل المدينة ، ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب . وأما الأكثرون فإنهم نزلوا عند الجبل واجتمعوا هنالك- ومن المنهزمين عمر- إلا انه لم يكن في أوائل المنهزمين . ولم يبعد ، بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبي صلى الله عليه وسلم . ومنهم أيضاً عثمان انهزم هو مع رجلين من الأنصار - يقال لهما سعد وعقبة - انهزموا حتى بلغوا موضعاً بعيداً ، ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : لقد ذهبتم فيها عريضة . وأما الذين ثبتوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا أربعة عشر رجلاً . سبعة من المهاجرين : أبو بكر ، وعلي وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، وأبو عبيدة بن الجراح ، والزبير بن العوّام . وسبعة من الأنصار : الحباب بن المنذر ، وأبو دجانة ، وعاصم بن ثابت ، والحرث بن الصمة ، وسهل بن حنيف ، وأسيد بن حضير ، وسعد بن معاذ . وذكر أن ثمانية من هؤلاء كانوا بايعوه يومئذٍ على الموت ثلاثة من المهاجرين : علي وطلحة والزبير . وخمسة من الأنصار : أبو دجانة ، والحرث بن الصمة ، وحباب بن المنذر ، وعاصم بن ثابت ، وسهل بن حنيف . ثم لم يقتل منهم أحد . وروى ابن عيينة أنه أصيب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو من ثلاثين كلهم يجيء ويجثو بين يديه ويقول : وجهي لوجهك الفداء وعليك السلام غير مودع { إنما استزلهم الشيطان } تقول : زللت يا فلان تزل زليلاً إذا زل في طين أو منطق . والاسم الزلة ، واستزله غيره كأنه طلب منه الزلة ودعاه إليها . والباء في { ببعض ما كسبوا } للاستعانة مثلها في : كتبت بالقلم . والمعنى أنه كان قد صدر عنهم جنايات ، فبواسطة تلك الجنايات قدر الشيطان على استزلالهم في التولي . وعلى هذا التقدير ففيه وجوه : قال الزجاج : إنهم لم يتولوا على جهة المعاندة ولا على جهة الفرار من الزحف رغبة منهم في الدنيا ، وإنما ذكرهم الشيطان ذنوباً كانت لهم فكرهوا لقاء الله إلى على حال يرضونها وإلا بعد الإخلاص في التوبة . فهذا خاطر خطر ببالهم وكانوا مخطئين فيه . وقيل : إنهم لما أذنبوا بسبب مفارقة المركز ، أوقعهم الشيطان بشؤم تلك المعصية في الهزيمة . وقيل : كانت لهم ذنوب قد تقدمت ، فبشؤمها قدر الشيطان على دعائهم إلى التولي لأن الذنب يجر إلى الذنب كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة وتكون لطفاً فيها .
وإنما قال : { ببعض ما كسبوا } لأن الكسب قد يكون خيراً كقوله :{ لها ما كسبت }[ البقرة : 134 ، 141 ، 286 ] أو لأن جميع الذنوب لا يؤاخذ بها الله تعالى كقوله : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } [ الشورى :30 ] وقال الحسن : استزلهم بقبول ما زين لهم من الهزيمة . ويحتمل أن تكون الباء بمعنى " في " أي السبب في توليهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان في بعض الأعمال . إما قبل هذه الغزوة وإما فيها كالفشل والتنازع والتحول عن المركز وطلب الغنيمة ، فاقترفوا ذنوباً فلذلك منعتهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا . وعلى هذا التقدير لا يكون الفعل المسند إلى استزلال الشيطان فيه هو التولي ، وإنما يكون أعمالاً أخر إما في هذه الغزوة أو قبلها . { ولقد عفا الله عنهم } فيه بيان أنهم ما كفروا وما تركوا دينهم لأن العفو عن الكفر لا يجوز . بقي البحث في أنه أي ذنب هو ؟ والظاهر أنه التولي لأن التوبيخ وقع عليه والآية سيقت لأجله . ثم إنه من الصغائر أو من الكبائر ؟ قالت المعتزلة : كلاهما محتمل . لكنه إن كان من الصغائر فلا حاجة إلى إضمار التوبة ، وإن كان من الكبائر فلا بد من إضمار توبتهم وإن كانت غير مذكورة في الآية . قال القاضي : الأقرب أنه من الصغائر لأنه لا يكاد يقال في الكبائر إنها زلة ، ولأنهم ظنوا أن الهزيمة لما وقعت على المشركين لم يبق في ثباتهم حاجة ، فلا جرم تحولوا لطلب الغنيمة ، والخطأ في الاجتهاد ليس من الكبائر . قالت الأشاعرة : إنه من الكبائر لأنهم خالفوا النص . وحيث عفا عنه من غير ذكر التوبة - والأصل عدم الإضمار - غلب على الظن أن العفو عن الكبائر واقع من غير شرط .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.