فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة إبراهيم

اثنتان وخمسون آية وقيل إحدى وخمسون

وهي مكية كما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس . وأخرجه ابن مردويه أيضاً عن الزبير ، وحكاه القرطبي عن الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وقتادة إلا آيتين منها وقيل إلا ثلاث آيات نزلت في الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قوله : ( { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } ) إلى قوله : ( { فإن مصيركم إلى النار } ) . وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس قال : هي مكية سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة ، وهي { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } الآيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين .

قوله : { الر } قد تقدم الكلام في أمثال هذا ، وبيان قول من قال إنه غير متشابه ، وهو إما مبتدأ خبره كتاب ، أو خبر مبتدأ محذوف ، ويكون { كِتَابٌ } خبراً لمحذوف مقدّر ، أو خبراً ثانياً لهذا المبتدأ ، أو يكون { الر } مسروداً على نمط التعديد فلا محلّ له ، و{ أنزلناه إِلَيْكَ } صفة لكتاب : أي أنزلنا الكتاب إليك يا محمد ، ومعنى { لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور } لتخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم والهداية . جعل الكفر بمنزلة الظلمات ، والإيمان بمنزلة النور على طريقة الاستعارة ، واللام في { لتخرج } للغرض والغاية ، والتعريف في الناس للجنس ، والمعنى : أنه صلى الله عليه وسلم يخرج بالكتاب المشتمل على ما شرعه الله لهم من الشرائع مما كانوا فيه من الظلمات إلى ما صاروا إليه من النور . وقيل : إن الظلمة مستعارة للبدعة ، والنور مستعار للسنّة . وقيل : من الشك إلى اليقين . ولا مانع من إرادة جميع هذه الأمور ، والباء في { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } متعلقة ب «تخرج » ، وأسند الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه الداعي والهادي والمنذر . قال الزجاج : بما أذن لك من تعليمهم ودعائهم إلى الإيمان { إلى صِرَاطِ العزيز الحميد } هو بدل من { إلى النور } بتكرير العامل كما يقع مثله كثيراً ، أي : لتخرج الناس من الظلمات إلى صراط العزيز الحميد ، وهو طريقة الله الواضحة التي شرعها لعباده ، وأمرهم بالمصير إليها والدخول فيها ، ويجوز أن يكون مستأنفاً بتقدير سؤال ، كأنه قيل : ما هذا النور الذي أخرجهم إليه ؟ فقيل : صراط العزيز الحميد ، والعزيز هو القادر الغالب ، والحميد هو الكامل في استحقاق الحمد .

/خ5