قيل : هم مؤمنو أهل الكتاب ، فإنهم جمعوا بين الإيمان بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، وما أنزله على من قبله وفيهم نزلت . وقد رجح هذا ابن جرير ، ونقله السدي في تفسيره عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة ، واستشهد له ابن جرير بقوله تعالى { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } [ آل عمران : 119 ] وبقوله تعالى : { الذين ءاتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قَالُوا ءامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مرَّتَيْنِ } الآية [ القصص : 52 54 ] . والآية الأولى نزلت في مؤمني العرب . وقيل الآيتان جميعاً في المؤمنين على العموم . وعلى هذا فهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى صفة للمتقين بعد صفة ، ويجوز أن تكون مرفوعة على الاستئناف ، ويجوز أن تكون معطوفة على المتقين فيكون التقدير : هدى للمتقين وللذين يؤمنون بما أنزل إليك .
والمراد بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم : هو القرآن . وما أنزل من قبله : هو الكتب السالفة . والإيقان : إيقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه ، قاله في الكشاف . والمراد أنهم يوقنون بالبعث والنشور وسائر أمور الآخرة من دون شك . والآخرة تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول ، وهي صفة الدار كما في قوله تعالى { تِلْكَ الدار الاخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الارض وَلاَ فَسَاداً } [ القصص : 83 ] وفي تقديم الظرف مع بناء الفعل على الضمير المذكور إشعار بالحصر ، وأن ما عدا هذا الأمر الذي هو أساس الإيمان ورأسه ليس بمستأهل للإيقان به ، والقطع بوقوعه . وإنما عبر بالماضي مع أنه لم ينزل إذ ذاك إلا البعض لا الكل ؛ تغليباً للموجود على ما لم يوجد ، أو تنبيهاً على تحقق الوقوع كأنه بمنزلة النازل قبل نزوله . وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : { والذين يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } أي يصدقونك بما جئت به من الله ، وما جاء به من قبلك من المرسلين ، لا يفرقون بينهم ، ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم { وبالأخرة هُمْ يُوقِنُونَ } إيماناً بالبعث ، والقيامة ، والجنة ، والنار ، والحساب ، والميزان ، أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاء من ربك . وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه .
والحق أن هذه الآية في المؤمنين كالتي قبلها ، وليس مجرد ذكر الإيمان بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أنزل إلى من قبله بمقتض لجعل ذلك وصفاً لمؤمني أهل الكتاب ، ولم يأت ما يوجب المخالفة لهذا ولا في النظم القرآني ما يقتضي ذلك . وقد ثبت الثناء على من جمع بين الأمرين من المؤمنين في غير آية . فمن ذلك قوله تعالى : { يَأَيُّهَا الذين ءامَنُوا ءامِنُوا بالله وَرَسُولِهِ والكتاب الذى نَزَّلَ على رَسُولِهِ والكتاب الذى أَنَزلَ مِن قَبْلُ } [ النساء : 136 ] وكقوله : { وَقُولُوا ءامَنَّا بالذى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } [ العنكبوت : 46 ] ، وقوله : { آمن الرسول بما انزل إليه مِن ربّهِ والمؤمنون كُلٌّ ءامَنَ بالله وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رسُلِهِ } [ البقرة : 285 ] ، وقال : { والذين ءامَنُوا بالله وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ منْهُمْ } [ النساء : 152 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.