هي مكية وآياتها مائة وخمس وثلاثون آية
قال القرطبي : مكية في قول الجميع . وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة طه بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله . وأخرج الدارمي وابن خزيمة في التوحيد ، والعقيلي في الضعفاء ، والطبراني في الأوسط ، وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تبارك وتعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت : طوبى لأمة ينزل عليها هذا ، وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسنة تكلمت بهذا ) . قال ابن خزيمة بعد إخراجه : حديث غريب ، وفيه نكارة ، وإبراهيم بن مهاجر وشيخه تكلم فيهما ، يعني إبراهيم بن مهاجر بن سمار وشيخه عمر بن حفص بن ذكوان وهما من رجال إسناده . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أعطيت السورة التي ذكرت فيها الأنعام من الذكر الأول ، وأعطيت سورة طه والطواسين من ألواح موسى ، وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم البقرة من تحت العرش ، وأعطيت المفصل نافلة ) . وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل قرآن يوضع عن أهل الجنة فلا يقرأون منه شيئاً إلا سورة طه ويس ، فإنهم يقرأون بهما في الجنة ) . وأخرج الدارقطني في سننه عن أنس بن مالك ، فذكر قصة عمر بن الخطاب مع أخته وخباب وقراءتهما طه ، وكان ذلك بسبب إسلام عمر ، والقصة مشهورة في كتب السير .
قوله : { طه } قرأ بإمالة الهاء وفتح الطاء أبو عمرو وابن أبي إسحاق ، وأمالهما جميعاً أبو بكر وحمزة والكسائي والأعمش . وقرأهما أبو جعفر وشيبة ونافع بين اللفظين ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وقرأ الباقون بالتفخيم . قال الثعلبي : وهي كلها لغات صحيحة فصيحة . وقال النحاس : لا وجه للإمالة عند أكثر أهل العربية لعلتين : الأولى أنه ليس هاهنا ياء ولا كسرة حتى تكون الإمالة ، والعلة الثانية أن الطاء من موانع الإمالة .
وقد اختلف أهل العلم في معنى هذه الكلمة على أقوال : الأوّل أنها من المتشابه الذي لا يفهم المراد به . والثاني : أنها بمعنى : يا رجل في لغة عكل ، وفي لغة عكّ . قال الكلبي : لو قلت لرجل من عك : يا رجل لم يجب حتى تقول طه ، وأنشد ابن جرير في ذلك :
دعوت بطه في القتال فلم يجب *** فخفت عليه أن يكون موائلا
ويروى مزايلاً وقيل : إنها في لغة عكّ بمعنى : يا حبيبي . وقال قطرب : هي كذلك في لغة طيّ أي بمعنى : يا رجل ، وكذلك قال الحسن وعكرمة وقيل : هي كذلك في اللغة السريانية ، حكاه المهدوي . وحكى ابن جرير أنها كذلك في اللغة النبطية ، وبه قال السديّ وسعيد بن جبير . وحكى الثعلبي : عن عكرمة أنها كذلك في لغة الحبشة ، ورواه عن عكرمة ، ولا مانع من أن تكون هذه الكلمة موضوعة لذلك المعنى في تلك اللغات كلها إذا صح النقل . القول الثالث : أنها اسم من أسماء الله سبحانه . والقول الرابع : أنها اسم للنبيّ صلى الله عليه وسلم . القول الخامس : أنها اسم للسورة . القول السادس : أنها حروف مقطعة يدل كل واحد منها على معنى . ثم اختلفوا في هذه المعاني التي تدل عليها هذه الحروف على أقوال كلها متكلفة متعسفة . القول السابع : أن معناها : طوبى لمن اهتدى . القول الثامن : أن معناها : طأ الأرض يا محمد . قال ابن الأنباري : وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتحمل مشقة الصلاة حتى كادت قدماه تتورم ويحتاج إلى التروّح ، فقيل له : طإ الأرض ، أي لا تتعب حتى تحتاج إلى التروّح . وحكى القاضي عياض في الشفاء عن الربيع بن أنس قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله : { طه } يعني : طأ الأرض يا محمد ، وحكي عن الحسن البصري أنه قرأ : «طه » على وزن دع ، أمر بالوطء ، والأصل : طأ ، فقلبت الهمزة هاء . وقد حكى الواحدي عن أكثر المفسرين أن هذه الكلمة معناها : يا رجل ، يريد النبي صلى الله عليه وسلم قال : وهو قول الحسن وعكرمة وسعيد ابن جبير والضحّاك ، وقتادة ومجاهد وابن عباس في رواية عطاء والكلبي غير أن بعضهم يقول : هي بلسان الحبشة والنبطية والسريانية ، ويقول الكلبي : هي بلغة عك . قال ابن الأنباري : ولغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا المعنى ؛ لأن الله سبحانه لم يخاطب نبيه بلسان غير قريش . انتهى . وإذا تقرّر أنها لهذا المعنى في لغة من لغات العرب كانت ظاهرة المعنى واضحة الدلالة خارجة عن فواتح السور التي قدّمنا بيان كونها من المتشابه في فاتحة سورة البقرة ، وهكذا إذا كانت لهذا المعنى في لغة من لغات العجم واستعملتها العرب في كلامها في ذلك المعنى كسائر الكلمات العجمية التي استعملتها العرب الموجودة في الكتاب العزيز ، فإنها صارت بذلك الاستعمال من لغة العرب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.