ثم أمر سبحانه رسوله : أن يقيم عليهم حجة ينقطعون عندها ، فقال : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بواحدة } أي أحذركم ، وأنذركم سوء عاقبة ما أنتم فيه ، وأوصيكم بخصلة واحدة ، وهي { أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى } هذا تفسير للخصلة الواحدة ، أو بدل منها ، أي هي قيامكم وتشميركم في طلب الحقّ بالفكرة الصادقة متفرقين إثنين إثنين ، وواحداً واحداً ، لأن الاجتماع يشوّش الفكر . وليس المراد القيام على الرجلين ، بل المراد القيام بطلب الحقّ ، وإصداق الفكر فيه ، كما يقال : قام فلان بأمر كذا { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } في أمر النبيّ ، وما جاء به من الكتاب ، فإنكم عند ذلك تعلمون أن { مَا بصاحبكم مّن جِنَّةٍ } ، وذلك ؛ لأنهم كانوا يقولون : إن محمداً مجنون ، فقال الله سبحانه : قل لهم : اعتبروا أمري بواحدة ، وهي : أن تقوموا لله ، وفي ذاته مجتمعين ، فيقول الرجل لصاحبه : هلمّ فلنتصادق ، هل رأينا بهذا الرجل من جنة ، أي جنون ، أو جرّبنا عليه كذباً ، ثم ينفرد كل واحد عن صاحبه فيتفكر وينظر ، فإن في ذلك ما يدل على أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق ، وأنه رسول من عند الله ، وأنه ليس بكاذب ولا ساحر ولا مجنون ، وهو معنى قوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } أي ما هو إلاّ نذير لكم بين يدي الساعة . وقيل : إن جملة { مَا بصاحبكم مّن جِنَّةٍ } مستأنفة من جهة الله سبحانه مسوقة للتنبيه على طريقة النظر والتأمل بأن هذا الأمر العظيم ، والدعوى الكبيرة لا يعّرض نفسه له إلاّ مجنون لا يبالي بما يقال فيه ، وما ينسب إليه من الكذب ، وقد علموا : أنه أرجح الناس عقلاً ، فوجب أن يصدّقوه في دعواه ، لاسيما مع انضمام المعجزة الواضحة ، وإجماعهم على أنه لم يكن ممن يفتري الكذب ، ولا قد جرّبوا عليه كذباً مدّة عمره وعمرهم . وقيل : يجوز أن تكون «ما » في { مَا بصاحبكم } استفهامية ، أي ثم تتفكروا أيّ شيء به من آثار الجنون . وقيل : المراد بقوله : { إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بواحدة } هي : «لا إله إلاّ الله » كذا قال مجاهد والسدّي . وقيل : القرآن ؛ لأنه يجمع المواعظ كلها ، والأولى ما ذكرناه أوّلاً . وقال الزجاج : إن «أن » في قوله : { أَن تَقُومُواْ } في موضع نصب بمعنى : لأن تقوموا . و قال السدّي : معنى مثنى وفرادى : منفرداً برأيه ، ومشاوراً لغيره .
وقال القتيبي : مناظراً مع عشيرته ، ومفكراً في نفسه . وقيل : المثنى عمل النهار ، والفرادى عمل الليل ، قاله الماوردي . وما أبرد هذا القول ، وأقلّ جدواه . واختار أبو حاتم ، وابن الأنباري الوقف على قوله : { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } ، وعلى هذا تكون جملة : { مَا بصاحبكم مّن جِنَّةٍ } مستأنفة كما قدّمنا . وقيل ليس بوقف ، لأن المعنى : ثم تتفكروا هل جربتم عليه كذباً ، أو رأيتم منه جنة ، أو في أحواله من فساد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.