فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (128)

{ امرأة } مرفوعة بفعل مقدّر يفسره ما بعده ، أي : وإن خافت امرأة ، وخافت بمعنى : توقعت ما تخاف من زوجها ، وقيل معناه : تيقنت وهو خطأ . قال الزجاج : المعنى : { وَإِنِ امرأة خافت مِن بَعْلِهَا } دوام النشوز . قال النحاس : الفرق بين النشوز والإعراض : أن النشوز التباعد ، والإعراض أن لا يكلمها ولا يأنس بها ، وظاهر الآية أنها تجوز المصالحة عند مخافة أيّ نشوز ، أو أيّ إعراض ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي سيأتي ، وظاهرها أنه يجوز التصالح بأيّ نوع من أنواعه ، إما بإسقاط النوبة ، أو بعضها ، أو بعض النفقة ، أو بعض المهر . قوله : { أن يصالحا } هكذا قرأه الجمهور ، وقرأ الكوفيون : «أن يصلحا » وقراءة الجمهور أولى ؛ لأن قاعدة العرب أن الفعل إذا كان بين اثنين فصاعداً قيل : تصالح الرجلان ، أو القوم ، لا أصلح . وقوله : { صلحا } منصوب على أنه اسم مصدر ، أو على أنه مصدر محذوف الزوائد ، أو منصوب بفعل محذوف ، أي : فيصلح حالهما صلحاً ، وقيل : هو منصوب على المفعولية . وقوله : { بَيْنَهُمَا } ظرف للفعل ، أو في محل نصب على الحال .

قوله : { والصلح خَيْرٌ } لفظ عام يقتضي أن الصلح الذي تسكن إليه النفوس ، ويزول به الخلاف خير على الإطلاق أو خير من الفرقة ، أو من الخصومة ، وهذه جملة اعتراضية . قوله : { وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح } إخبار منه سبحانه بأن الشحّ في كل واحد منهما ، بل في كل الأنفس الإنسانية كائن ، وأنه جعل كأنه حاضر لها لا يغيب عنها بحال من الأحوال ، وأن ذلك بحكم الجبلة والطبيعة ، فالرجل يشحّ بما يلزمه للمرأة من حسن العشرة ، وحسن النفقة ونحوها ، والمرأة تشحّ على الرجل بحقوقها اللازمة للزوج ، فلا تترك له شيئاً منها . وشحّ الأنفس : بخلها بما يلزمها ، أو يحسن فعله بوجه من الوجوه ، ومنه : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون } [ الحشر : 9 ] .

قوله : { وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا } أي : تحسنوا عشرة النساء ، وتتقوا ما لا يجوز من النشوز والإعراض { فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } فيجازيكم يا معشر الأزواج بما تستحقونه .

/خ130