فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

{ من يَشْفَعْ شفاعة حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا } أصل الشفاعة والشفعة ونحوهما من الشفع وهو : الزوج ، ومنه الشفيع ؛ لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعاً ، ومنه ناقة شفوع : إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة ، وناقة شفيع : إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها . والشفع : ضمّ واحد إلى واحد ، والشفعة : ضم ملك الشريك إلى ملكك ، فالشفاعة : ضمّ غيرك إلى جاهك ووسيلتك ، فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع ، واتصال منفعة إلى المشفوع له . والشفاعة الحسنة هي : في البرّ والطاعة . والشفاعة السيئة في المعاصي ، فمن شفع في الخير ؛ لينفع فله نصيب منها ، أي : من أجرها ، ومن شفع في الشر ، كمن يسعى بالنميمة والغيبة كان له كفل منها ، أي : نصيب من وزرها . والكفل : الوزر والإثم ، واشتقاقه من الكساء الذي يجعله الراكب على سنام البعير لئلا يسقط ، يقال اكتفلت البعير : إذا أدرت على سنامه كساء وركبت عليه ؛ لأنه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيباً منه ، ويستعمل في النصيب من الخير والشرّ .

ومن استعماله في الخير قوله تعالى : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رحْمَتِهِ } [ الحديد : 28 ] { وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء مُّقِيتاً } أي : مقتدراً ، قاله الكسائي . وقال الفراء : المقيت الذي يعطي كل إنسان قوته يقال : قته أقوته قوتاً ، وأقته أقيته إقاتة ، فأنا قائت ومقيت ، وحكى الكسائي أقات يقيت . وقال أبو عبيدة : المقيت الحافظ . قال النحاس : وقول أبي عبيدة أولى ؛ لأنه مشتق من القوت ، والقوت معناه : مقدار ما يحفظ الإنسان . وقال ابن فارس في المجمل : المقيت المقتدر ، والمقيت : الحافظ والشاهد . وأما قول الشاعر :

ألي الفضل أم عليّ إذا حو *** سبت إني على الحساب مقيت

فقال ابن جرير الطبري إنه من غير هذا المعنى .

/خ87