فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (17)

ثم ذكر حال الطائفة الأخرى ، فقال : { وَأَمَّا ثَمُودُ فهديناهم } أي بينا لهم سبيل النجاة ، ودللناهم على طريق الحقّ بإرسال الرسل إليهم ، ونصب الدلالات لهم من مخلوقات الله ، فإنها توجب على كل عاقل أن يؤمن بالله ، ويصدّق رسله . قال الفراء معنى الآية : دللناهم على مذهب الخير بإرسال الرسل . قرأ الجمهور : { وأما ثمود } بالرفع ومنع الصرف . وقرأ الأعمش ، وابن وثاب بالرفع ، والصرف ، وقرأ ابن عباس ، وابن أبي إسحاق ، وعاصم في رواية بالنصب ، والصرف وقرأ الحسن ، وابن هرمز ، وعاصم في رواية بالنصب والمنع ، فأما الرفع ، فعلى الابتداء والجملة بعده الخبر ، وأما النصب فعلى الاشتغال ، وأما الصرف فعلى تفسير الاسم بالأب أو الحي ، وأما المنع فعلى تأويله بالقبيلة { فاستحبوا العمى عَلَى الهدى } أي اختاروا الكفر على الإيمان ، وقال أبو العالية : اختاروا العمى على البيان ، وقال السدّي : اختاروا المعصية على الطاعة { فَأَخَذَتْهُمْ صاعقة العذاب الهون } قد تقدّم أن الصاعقة اسم للشيء المهلك لأيّ شيء كان ، والهون الهوان والإهانة ، فكأنه قال : أصابهم مهلك العذاب ذي الهوان أو الإهانة ، ويقال عذاب هون ، أي مهين كقوله : { مَا لَبِثُواْ في العذاب المهين } [ سبأ : 14 ] ، والباء في { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } للسببية ، أي بسبب الذي كانوا يكسبونه أو بسبب كسبهم .