فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ} (9)

{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرسل } البدع من كلّ شيء المبدأ : أي ما أنا بأوّل رسول ، قد بعث الله قبلي كثيراً من الرسل . قيل : البدع بمعنى : البديع كالخفّ والخفيف ، والبديع : ما لم ير له مثل ، من الابتداع وهو الاختراع ، وشيء بدع بالكسر ، أي مبتدع ، وفلان بدع في هذا الأمر ، أي بديع كذا قال الأخفش ، وأنشد قطرب :

فما أنا بدع من حوادث تعتري *** رجالاً غدت من بعد بؤسي وأسعدا

وقرأ عكرمة ، وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة : ( بدعاً ) بفتح الدال على تقدير حذف المضاف ، أي ما كنت ذا بدع ، وقرأ مجاهد بفتح الباء ، وكسر الدال على الوصف { وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي ما يفعل بي فيما يستقبل من الزمان هل أبقى في مكة ، أو أخرج منها ؟ وهل أموت أو أقتل ؟ وهل تعجل لكم العقوبة أم تمهلون ؟ وهذا إنما هو في الدنيا . وأما في الآخرة ، فقد علم أنه وأمته في الجنة ، وأن الكافرين في النار . وقيل : إن المعنى : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة ، وإنها لما نزلت فرح المشركون ، وقالوا : كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا ، وأنه لا فضل له علينا ؟ فنزل قوله تعالى : { لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] والأوّل أولى { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ } قرأ الجمهور { يوحى } مبنياً للمفعول : أي ما أتبع إلاّ القرآن ، ولا أبتدع من عندي شيئًا ، والمعنى : قصر أفعاله صلى الله عليه وسلم على الوحي لا قصر اتباعه على الوحي { وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي أنذركم عقاب الله ، وأخوّفكم عذابه على وجه الإيضاح .

/خ9