فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابٗا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعٗا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَفۡقَهُونَ} (65)

ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم : { هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً }أي الذي قدر على إنجائكم من تلك الشدائد ، ودفع عنكم تلك الكروب ، قادر على أن يعيدكم في شدّة ومحنة وكرب ، يبعث عذابه عليكم من كل جانب . فالعذاب المبعوث من جهة الفوق : ما ينزل من السماء من المطر والصواعق . والمبعوث من تحت الأرجل : الخسف والزلازل والغرق . وقيل : { من فَوْقِكُمْ } يعني الأمراء الظلمة { وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } يعني السفلة ، وعبيد السوء .

قوله : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } قرأ الجمهور بفتح التحتية ، من لبس الأمر : إذا خلطه . وقرأ أبو عبد الله المديني بضمها ، أي يجعل ذلك لباساً لكم . قيل والأصل : أو يلبس عليكم أمركم ، فحذف أحد المفعولين مع حرف الجرّ كما في قوله تعالى : { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ } والمعنى : يجعلكم مختلطي الأهواء مختلفي النحل متفرقي الآراء . وقيل : يجعلكم فرقاً يقاتل بعضكم بعضاً . والشيع : الفرق ، أي يخلطكم فرقاً .

قوله : { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } أي يصيب بعضكم بشدّة بعض من قتل وأسر ونهب { وَيُذِيقَ } معطوف على { يَبْعَثَ } ، وقرئ { نذيق } بالنون { انظر كَيْفَ نُصَرّفُ الآيات } نبين لهم الحجج والدلالات من وجوه مختلفة { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } الحقيقة فيعودون إلى الحق الذي بيناه لهم بيانات متنوّعة .

/خ65