فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَحَآجَّهُۥ قَوۡمُهُۥۚ قَالَ أَتُحَـٰٓجُّوٓنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِۚ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيۡـٔٗاۚ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (80)

قوله : { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ } أي وقعت منهم المحاججة له في التوحيد بما يدل على ما يدّعونه من أن ما يشركون به ويعبدونه من الأصنام آلهة ، فأجاب إبراهيم عليه السلام بما حكاه الله عنه أنه قال : { أَتُحَاجُّوني فِي الله } أي في كونه لا شريك له ولا ندّ ولا ضدّ .

وقرأ نافع بتخفيف نون { أتحاجوني } . وقرأ الباقون بتشديدها بإدغام نون الجمع في نون الوقاية ، ونافع خفف فحذف إحدى النونين ، وقد أجاز ذلك سيبويه . وحكى عن أبي عمرو بن العلاء أن قراءة نافع لحن ، وجملة { وَقَدْ هَدَانِي } في محل نصب على الحال ، أي هداني إلى توحيده وأنتم تريدون أن أكون مثلكم في الضلالة والجهالة وعدم الهداية .

قوله : { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } قال هذا لما خوّفوه من آلهتهم بأنها ستغضب عليه وتصيبه بمكروه ، أي إني لا أخاف ما هو مخلوق من مخلوقات الله لا يضرّ ولا ينفع ، والضمير في «به » يجوز رجوعه إلى الله وإلى معبوداتهم المدلول عليها بما في { مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبّى شَيْئاً } أي إلا وقت مشيئته ربي بأن يلحقني شيئاً من الضرر بذنب عملته فالأمر إليه ، وذلك منه لا من معبوداتكم الباطلة التي لا تضرّ ولا تنفع . والمعنى : على نفي حصول ضرر من معبوداتهم على كل حال ، وإثبات الضرر والنفع لله سبحانه ، وصدورهما حسب مشيئته ، ثم علل ذلك بقوله : { وَسِعَ رَبّى كُلَّ شَيء عِلْماً } أي إن علمه محيط بكل شيء ، فإذا شاء الخير كان حسب مشيئته ، وإذا شاء إنزال شرّ بي كان ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . ثم قال لهم مكملاً للحجة عليهم ، ودافعاً لما خوّفوه به .

/خ83