تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (21)

21

المفردات :

أخا عاد : هود عليه السلام ، وكانت أخوته لعاد في النسب لا في الدين .

الأحقاف : جمع حقف ، وهو ما استطال من الرمل واعوج ، ولم يبلغ أن يكون جبلا ، من أحقوقف الشيء ، إذا اعوج .

النذر : واحدهم نذير ، أي : منذر .

من بين يديه : من قبله .

ومن خلفه : ومن بعده ، أي : وقد مضت الرسل من قبل هود ومن بعده .

التفسير :

21- { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } .

هذه القصة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم بذكر قصة أخ له من المرسلين ، كذب من قومه ، فصبر حتى نصره الله وأهلك الكافرين ، وفيها تهديد ووعيد لأهل مكة ، وأشباههم من المكذبين .

والمعنى :

اذكر في نفسك قصة هود مع قومه عاد ، واذكرها لقومك ليعتبروا بمضمونها ، فهو رسول كريم ، دعا قومه الذين كانوا يسكنون الأحقاف ، وهي رمال ملتوية لم تبلغ أن تكون جبلا ، وكانت بالشِّحر يقال ( شِحْر عمان ) أي في مكان بين عمان واليمن على ساحل البحر ، ويقال في حضرموت .

وحين كنت أعمل أستاذا ورئيسا لقسم العلوم الإسلامية بجامعة السلطان قابوس في المدة من ( 1986م-1996م ) بسلطنة عمان ، اكتشفت آثار قرب مدينة صلالة ، وهي مدينة تقع بين سلطنة عمان واليمن ، وذكر المكتشفون أن المرجح أنها القرى التي طمرتها الرياح وأهلكت أهلها ، ولم يبق من أهلها إلا المساكن ، أي بقايا عاد الأولى .

وقد أرسل الله الرسل إلى قومهم من قبل هود ومن بعده ، يدعون قومهم إلى الإيمان بالله تعالى ، ويحذرونهم من عبادة الأوثان والأصنام والتكذيب بالمرسلين حتى لا ينزل بهم العذاب الذي نزل بمن كذب قبلهم ، كقوم نوح .

قال تعالى : { وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا } ( الإسراء : 17 ) .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{۞وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (21)

{ واذكر } لكفار مكة { أَخَا عَادٍ } هوداً عليه السلام { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ } بدل اشتمال منه أي وقت إنذاره إياهم { بالأحقاف } جمع حقف رمل مستطيل فيه اعوجاج وانحناء ويقال احقوقف الشيء اعوج وكانوا بدويين أصحاب خباء وعمد يسكنون بين رمال مشرفين على البحر بأرض يقال لها السحر من بلاد اليمن قاله ابن زيد ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بين عمان ومهرة ، وفي رواية أخرى عنه الأحقاف جبل بالشام ، وقال ابن إسحاق : مساكنهم من عمان إلى حضرموت ؛ وقال ابن عطية الصحيح أن بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت ارم ذات العماد وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في إرم وبيان الحق فيها .

{ وَقَدْ خَلَتِ النذر } أي الرسل كما هو المشهور ، وقيل من يعمهم والنواب عنهم جمع نذير بمعنى منذر .

وجوز كون { النذر } جمع نذير بمعنى الإنذار فيكون مصدراً وجمع لأنه يختلف باختلاف المنذر به . وتعقب بأن جمعه على خلاف القياس ولا حاجة تدعو إليه { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } أي من قبله عليه السلام { وَمِنْ خَلْفِهِ } أي من بعده وقرئ به ولولا ذلك لجاز العكس ، والظاهر أن المراد النذر المتقدمون عليه والمتأخرون عنه . وعن ابن عباس يعني الرسل الذين بعثوا قبله والذين بعثوا في زمانه ، فمعنى { مِنْ خَلْفِهِ } من بعد إنذاره ، وعطف { مِنْ خَلْفِهِ } أي من بعده على ما قبله إما من باب :

علفتها تبناً وماءً بارداً *** وفيه أقوال فقيل عامل الثاني مقدر أي وسقيتها ماء ويقال في الآية أي خلت النذر من بين يديه وتأتي من خلفه ؛ وقيل إنه مشاكلة ، وقيل : إنه من قبيل الاستعارة بالكناية ، وإما لإدخال الآتي في سلك الماضي قطعاً بالوقوع وفيه شائبة الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وجوز أن يقال : المضي باعتبار الثبوت في علم الله تعالى أي وقد خلت النذر في علم الله تعالى يعني ثبت في علمه سبحانه خلو الماضين منهم والآتين ، والجملة إما حال من فاعل { أُنذِرَ } أي إذ أنذر معلماً إياهم بخلو النذر أو مفعوله أي وهم عالمون بإعلامه إياهم ، وهو قريب من أسلوب قوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا } [ البقرة : 28 ] الآية ، ويجوز أن يكون المعنى أنذرهم على فترة من الرسل ، وهي حال أيضاً على تفسير ابن عباس ، وعلم القوم يجوز أن يكون من إعلامه ومن مشاهدتهم أحوال من كانوا في زمانه وسماعهم أحوال من قبله ، وإما اعتراض بين المفسر أعني { جَوَابَ قَوْمِهِ } وبين المفسر أعني قوله تعالى : { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله } فإن النهي عن الشيء إنذار عن مضرته كأنه قيل : واذكر زمان إنذار هود قومه بما أنذر به الرسل قبله وبعده وهو أن لا تعبدوا إلا الله تنبيهاً على أنه إنذار ثابت قديماً وحديثاً اتفقت عليه الرسل عليهم السلام عن آخرهم فهو يؤكد قوله تعالى : { واذكر } ويؤكد قوله سبحانه : { أَنذَرَ قَوْمَهُ } ولذلك توسط ، وهو أيضاً مقصود بالذكر بخلاف ما إذا جعل حالاً فإنه حينئذ قيد تابع ، وهذا الوجه أولى مما قبله على ما قرره في «الكشف » ، وجوز بعضهم العطف على { أُنذِرَ } أي واعلمهم بذلك وهو كما ترى ، وجعلت { أن } مفسرة لتقدم معنى القول دون حروفه وهو الإنذار والمفسر معموله المقدر ، وجوز كونها مصدرية وكونها مخففة من الثقيلة فقبلها حرف جر مقدر متعلق بأنذر أي أنذرهم بأن لا تعبدوا إلا الله .

{ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } صفة { يَوْمٍ } وعظمه مجاز عن كونه مهولاً لأنه لازم له ، وكون اليوم مهولاً باعتبار هول ما فيه من العذاب فالإسناد فيه مجازي ، ولا حاجة إلى جعله صفة للعذاب والجر للجوار والجملة استئناف تعليل للنهي ، ويفهم إني أخاف عليكم ذلك بسبب شرككم .