تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

{ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير( 54 ) }

المفردات :

خلقكم من ضعف : ابتدأكم ضعفاء وقيل : خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة .

ثم جعل من بعد ضعف قوة : بعد ضعف الطفولة قوة الشباب بعد بلوغ الحلم .

ضعفا وشيبة : ثم ردكم إلى أصل حالكم من الضعف بالشيخوخة والهرم .

التفسير :

{ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير . }

خلق الله الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم كون عظامه ثم كسا العظام لحما ، ونفخ فيه الروح ثم أخرجه من بطن أمه واهنا ضعيفا فقوله : من ضعف . . . أي : ابتدأه ضعيفا ثم يشب الوليد قليلا قليلا ، فيكون صغيرا ثم فتى ، ثم شابا قويا يتمتع بالقوة في الكيان الجسدي وفي البناء الإنساني وفي التكوين النفسي والعقلي .

{ ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة . . . } ينحدر الإنسان من قمة هرم الشباب إلى سفح الهرم متدرجا من القوة إلى الضعف في الجسم والإرادة ، حتى ليهفو الشيخ أحيانا كما يهفو الطفل ولا يجد من إرادته عاصما ومع الشيخوخة الشيب يذكر تجسيما وتشخيصا لهيئة الشيخوخة ومنظرها .

وإن هذه الأطوار التي لا يفلت منها أحد من أبناء الفناء ولا تتخلف مرة فيمن يمد له في العمر دليل على أن الخليقة في يد القبضة الإلهية المدبرة .

{ يخلق ما يشاء وهو العليم القدير . }

يفعل الله ما يشاء ويوجد ويبدع ما يشاء من ضعف وقوة ، وبدء وإعادة ويتصرف في عبيده بما يريد وهو العليم التام العلم بتدبير خلقه القدير الشامل القدرة على ما يشاء .

والآية وصف لمراحل العمر التي يمر بها الإنسان حيث يولد ضعيفا ثم يصل إلى القوة في مرحلة الشباب ثم يعود إلى الضعف في مرحلة الشيخوخة ، ولو تصورنا الحياة أشبه بهرم فإن مرحلة الشباب هي قمة ذلك الهرم والطفولة بداية السفح والشباب صعود للقمة ، والشيخوخة عود على سفح الهرم .

وقد أمرنا الإسلام بإعداد القوة ، والمحافظة على الصحة والرقى النفسي والفكري والعاطفي وذلك بالقراءة والرياضة والمشي والسباحة ، والتأمل والتدبر في ملكوت السماوات والأرض والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره وتقبل مراحل العمر والإبداع فيها بما يناسبها من تقديم الخبرة ومساعدة العباد والتعاون والتراحم وعمل الخير وتفريج كربة المكروب والإحسان للعمل وبذلك يكون المؤمن منفعة ومعونة ونعمة لكل من حوله .

***

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

قوله تعالى : { فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين* وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون*الله الذي خلقكم من ضعف } قرئ بضم الصاد وفتحها ، فالضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم ، ومعنى من ضعف ، أي : من نطفة ، يريد من ذي ضعف ، أي : من ماء ذي ضعف كما قال تعالى : { ألم نخلقكم من ماء مهين } { ثم جعل من بعد ضعف قوة }أي : من بعد ضعف الطفولة شباباً ، وهو وقت القوة ، { ثم جعل من بعد قوة ضعفاً } هرماً ، { وشيبةً يخلق ما يشاء } من الضعف والقوة والشباب والشيبة ، { وهو العليم } بتدبير خلقه ، { القدير } على ما يشاء .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

قوله تعالى : " الله الذي خلقكم من ضعف " ذكر استدلالا آخر على قدرته في نفس الإنسان ليعتبر . ومعنى : " من ضعف " من نطفة ضعيفة . وقيل : " من ضعف " أي في حال ضعف ، وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر . " ثم جعل من بعد ضعف قوة " يعني الشبيبة . " ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة " يعني الهرم . وقرأ عاصم وحمزة : بفتح الضاد فيهن ، الباقون بالضم ، لغتان ، والضم لغة النبي صلى الله عليه وسلم . وقرأ الجحدري : " من ضعف ثم جعل من بعد ضعف " بالفتح فيهما ؛ " ضعفا " بالضم خاصة . أراد أن يجمع بين اللغتين . قال الفراء : الضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم . الجوهري : الضعف والضعف : خلاف القوة . وقيل : الضعف بالفتح في الرأي ، وبالضم في الجسد ؛ ومنه الحديث في الرجل الذي كان يخدع في البيوع : ( أنه يبتاع وفي عقدته{[12537]} ضعف ) . " وشيبة " مصدر كالشيب ، والمصدر يصلح للجملة ، وكذلك القول في الضعف والقوة . " يخلق ما يشاء " عني من قوة وضعف . " وهو العليم " بتدبيره . " القدير " على إرادته . وأجاز النحويون الكوفيون " من ضَعَف " بفتح العين ، وكذا كل ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانيا أو ثالثا .


[12537]:أي في رأيه ونظره في مصالح نفسه.