تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

10

{ يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا ءال داود شكرا وقليل من عبادي الشكور } .

المفردات :

من محاريب : جمع محراب قيل المساجد وقيل المقصورة تكون إلى جوار المسجد للتعبد فيها .

تماثيل : جمع تمثال وهي الصور وقيل إن التصوير كان مباحا في شرع سليمان ثم نسخ ذلك في شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

وجفان : جمع جفنة وهي ما يوضع فيها الطعام من أعظم القصاع وأكبرها ويليها في الصغر القصعة ويليها المئكلة ويليها الصحفة .

كالجواب : كالحياض الكبار التي يجبى فيها الماء للإبل والجواب جمع جابية .

قدور : جمع قدور وهي ما يطبخ فيه من فخار ونحوه على شكل مخصوص .

راسيات : ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها .

التفسير :

أي يعمل الجن لسليمان ما يريد عمله من بناء المحاريب وهي المساجد أو القصور الشاهقة والأبنية العالية التي يحارب من خلالها .

وقيل المحراب هو المقصورة بجوار القبلة ، أو التجويف تجاه القبلة .

{ وتماثيل } : وهي الصور المجسمة المصنوعة من النحاس أو الزجاج للأنبياء والصالحين تشجيعا للهمم في العبادة ، والاقتداء بهم وكان ذلك جائزا في عهد سليمان ثم نسخ في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم خشية التشبه بعبادة الأصنام .

وأباح الفقهاء عمل تمثال لكل ما ليس فيه روح ، كالأنهار والأشجار وكذلك لعب الأطفال من التماثيل لحديث رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلى فيلعبن معي . v

وأجاز جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب اتخاذ الصور إذا كانت مما يوطأ ويداس أو يمتهن بالاستعمال كالوسائد والمفارش أما التصوير الشمس والفوتوغرافي فهو جائز لأنه ليس تصويرا بالمعنى الذي جاءت به الأحاديث بل حبس للصورة أو الظل فيكون مثل الصورة في المرأة أو الماء .

وأما الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود وابن عباس " أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " vi فقد قال بعض العلماء المراد به من يصنعون تمثالا يضاهئون به خلق الله بدليل حديث " أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون خلق الله " ومن طريق آخر " يقال لهم أحيوا ما خلقتم " .

وفي فتح الباري : أن فريقا من العلماء قال بتحريم عمل التماثيل وفريقا قال : إن ذلك مكروه فقط فقد حرم في صدر الإسلام حيث فيه تشبه بعبادة الأصنام وكان القوم حديثي عهد بعبادة الأصنام فنهوا عن عمل التماثيل أما الآن فعملها مكروه فقط .

وقال فريق ثالث : ليس ذلك مكروها بل هو جائز خصوصا ما لا تتم به الحياة كالتمثال النصفي كل ما هو غير كامل .

{ وجفان كالجواب . . . }

الصحاف والقصاع الكبيرة التي تكفى لعدد كبير منن الناس وتشبه حياض الإبل .

{ وقدور راسيات . . . }

القدور جمع قدر وهو ما يطبخ فيه من فخار وغيره على شكل مخصوص . وراسيات ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها أي إن السماط كان عظيما بديعا فيه كثير من حسن الاتساق والجمال والضخامة .

{ اعملوا ءال داود شكرا وقليل من عبادي الشكور } .

أي أطيعوني واشكروني واستخدموا نعمتي فيما خلقت له والهجوا بذكري والصلاة والسلام والحمد لي يا آل داود .

{ وقليل من عبادي الشكور } .

والشكور هو الذي يشكر الله في جميع أحواله من الخير والشر فهو شاكر على النعماء وصابر على البأساء وهو راض بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره .

ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وأحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يقر إذا لاقى " . vii

قال ابن عباس الشكور هو الذي يشكر على أحواله كلها .

وقال الزمخشري في الكشاف : الشكور هو المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه وقد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعترافا واعتقادا وكدحا .

وقيل الشكور هو من يرى عجزه عن الشكر لأن توفيقه للشكر نعمة تستدعي شكرا آخر لها على ما لا نهاية .

على حد قول الشاعر :

إذا كان شكري نعمة الله نعمة *** على له في مثلها يجب الشكر

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله *** وإن طالت الأيام واتسع العمر

إذا مس بالنعماء عم سرورها *** وإن مس بالضراء أعقبها الأجر

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم صابرا شاكرا قدوة ومثلا أعلى روى مسلم في صحيحه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه فقلت له : أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال " أفلا أكون عبدا شكورا " . viii

ومن شكر النعمة التواضع والعفو والاستقامة قال صلى الله عليه وسلم : " أوصاني ربي بتسع الإخلاص لله في السر والعلانية والعدل في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر وأن أصل من قطعني وأعطي من حرمني وأعفو عمن ظلمني وأن يكون صمتي فكرا ونطقي ذكرا ونظري عبرة " .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

قوله عز وجل :{ يعملون له ما يشاء من محاريب } أي : مساجد ، والأبنية المرتفعة ، وكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل ، فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده ، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس ، فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخص كل طائفة منهم بعمل يستخلصه لهم ، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والميها الأبيض من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح ، وجعلها اثنى عشر ربضاً ، وأنزل كل ربض منها سبطاً من الأسباط ، وكانوا اثنى عشر سبطاً ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقاً فرقاً يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر ، وفرقاً يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها ، وفرقاً يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها ، فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله عز وجل ، ثم أحضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحاً وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللآلئ ، فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين الميها الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروزج فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه الله عز وجل ، وأن كل شيء فيه خالص لله ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيداً . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلاثاً فأعطاه اثنين ، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة ، سأل حكماً يصادف حكمه ، فأعطاه إياه وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إياه ، وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك " . قالوا : فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد ، وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر ، فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق ، وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصوناً كثيرة عجيبة من الصخر . قوله عز وجل : { وتماثيل } أي : كانوا يعملون له تماثيل ، أي : صوراً من نحاس وصفر وشبه وزجاج ورخام . وقيل : كانوا يصورون السباع والطيور . وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المسجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة ، ولعلها كانت مباحة في شريعتهم ، كما أن عيسى كان يتخذ صوراً من الطين فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله . { وجفان } أي : قصاع واحدتها جفنة ، { كالجواب } كالحياض التي يجبى فيها الماء ، أي : يجمع ، واحدتها جابية ، يقال : كان يعقد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها { وقدور راسيات } ثابتات لها قوائم لا يحركن عن أماكنها لعظمهن ، ولا ينزلن ولا يقلعن ، وكان يصعد عليها بالسلالم جمع السلم ، وكانت باليمن . { اعملوا آل داود شكرا } أي : وقلنا اعملوا آل داود شكراً ، مجازه : اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكراً له على نعمه . { وقليل من عبادي الشكور } أي : العامل بطاعتي شكراً لنعمتي . قيل : المراد من آل داود هو داود نفسه . وقيل : داود وسليمان وأهل بيته . وقال جعفر بن سليمان : سمعت ثابتاً يقول : كان داود نبي الله عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

{ يعملون له ما يشاء من محاريب } مجالس ومساكن ومساجد { وتماثيل } صور الأنبياء إذ كانت تصور في المساجد ليراها الناس ويزدادوا عبادة { وجفان } قصاع كبار { كالجواب } كالحياض التي تجمع الماء { وقدور راسيات } ثوابت لا تحركن عن مكانها لعظمها وقلنا { اعملوا } بطاعة الله يا { آل داود شكرا } له على نعمه