تبوأوا الدار والإيمان : المراد بالدار : دار الهجرة ، وهي المدينة ، أي : تمكنوا منها تمكنا شديدا ولازموهما .
يحبون من هاجر إليهم : فقد آمنوا بالله ورسوله ، وأحسنوا إلى المهاجرين وأشركوهم معهم في أموالهم ومساكنهم .
ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا : لا يجد الأنصار في نفوسهم حسدا ولا غيظا مما أوتي المهاجرون من الفيء ، وإشراكهم في أموالهم .
ويؤثرون على أنفسهم : الإيثار : تقديم غيرك على نفسك في حظ من حظوظ الدنيا ، رغبة في حظوظ الآخرة .
ولو كان بهم خصاصة : أي : حاجة إلى المال الذي آتوه المهاجرين .
ومن يوق شح نفسه : الشح : البخل مع حرص ، ويوق : يحفظه الله من شح نفسه .
9- { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
والصنف الثاني : أهل المدينة الذين سكنوها ، وبادروا إلى الإيمان بالله ورسوله ، وأحبوا من هاجر إليهم مع النبي من المهاجرين ، وقاسموهم أموالهم ومساكنهم ، وكانوا لا يجدون في نفوسهم حسدا على ما أوتوا من الفيء أو من أموالهم الخاصة ، وكانوا يؤثرون المهاجرين بما في أيديهم ولو كانوا محتاجين إليه .
{ والذين تبوءوا الدار والإِيمان } : أي والأنصار الذين نزلوا المدينة ألِفُوا الإيمان بعدما اختاروه على الكفر .
{ من قبلهم } : أي من قبل المهاجرين .
{ ولا يجدون في صدورهم حاجة } : أي حسداً ولا غيظاً .
{ مما أوتوا } : أي مما أوتى أخوانهم المهاجرون من فيء بني النضير .
{ ويؤثرون على أنفسهم } : أي في كل شيء حتى إن الرجل منهم تكون تحته المرأتان فيطلق أحداهما ليزوجها مهاجراً .
{ ولو كان بهم خصاصة } : أي حاجة شديدة وخلَّة كبيرة لا يجدون ما يسدونها به .
{ ومن يوق شح نفسه } : أي ومن يقه الله تعالى حرص نفسه على المال والبخل به .
وأما الأنصار الذي لم يعطهم المال الزائل وهم في غير حاجة إليه فقد أعطاهم ما هو خير من المال . واسمع ثناءه تعالى عليهم : { والذين تبوءوا الدار } أي المدينة النبوية والإِيمان أي بوأوه قلوبهم وأحبوه وألفوه . من قبلهم أي من قبل نزول المهاجرين إلى المدينة يحبون من هاجر إليهم من سائر المؤمنين الذي يأتون فراراً بدينهم ، ولا يجدون في صدورهم حاجة أي حسداً ولا غيظاً مما أوتوا أي مما أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم المهاجرين . ويؤثرون على أنفسهم غيرهم من المهاجرين ولو كان بهم خصاصة أي حاجة شديدة وخلة كبيرة لا يجدون ما يسدونها به ، وفي السيرة من عجيب إيثارهم العجب العجاب في أن الرجل يكون تحته امرأتان فيطلق إحداهما فإذا انتهت عدتها زوجها أخاه المهاجرين فهل بعد هذا الإِيثار من إيثار ؟ .
وقوله تعالى { ومن يوق شح نفسه } أي من يقيه الله تعالى مرض الشح وهو البخل بالمال والحرص على جمعه ومنعه فهو في عداد المفلحين وقد وقى الأنصار هذا الخطر فهم مفلحون فهذا أيضاً ثناءٌ عليهم وبشرى لهم .
- فضيلة إيواء المهاجرين ومساعدتهم على العيش في دار الهجرة ، المهاجرين الذين هاجروا في سبيل الله تعالى فراراً بدينهم ونصرة لإِخوانهم المجاهدين والمرابطين .
- خطر الشح وهو البخل بما وجب إخراجه من المال والحرص على جمعه من الحلال والحرام .
{ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم } هم الأنصار والدار هي المدينة لأنها كانت بلدهم والضمير في قبلهم للمهاجرين ، فإن قيل : كيف قال تبوءوا الدار وأخلصوا الإيمان وإنما تتبوأ الدار أي : تسكن ولا يتبوأ الإيمان ؟ فالجواب من وجهين :
الأول : أن معناه تبوءوا الدار وأخلصوا الإيمان فهو كقولك : فعلفتها تبنا وماء باردا : تقديره : علفتها تبنا وسقيتها ماء باردا .
الثاني : أن المعنى أنهم جعلوا الإيمان كله موطن لهم لتمكنهم فيه كما جعلوا المدينة كذلك .
فإن قيل : قوله : { من قبلهم } يقتضي أن الأنصار سبقوا المهاجرين بنزول المدينة وبالإيمان ، فأما سبقهم لهم بنزول المدينة فلا شك فيه لأنها كانت بلدهم ، وأما سبقهم لهم بالإيمان فمشكل ، لأن أكثر المهاجرين أسلم قبل الأنصار . فالجواب من وجهين :
أحدهما : أنه أراد بقوله : { من قبلهم } من قبل هجرتهم .
والآخر : أنه أراد تبوءوا الدار مع الإيمان معا أي : جمعوا بين الحالتين قبل المهاجرين ، لأن المهاجرين إنما سبقوهم بالإيمان لا بتبوئ الدار فيكون الإيمان على هذا مفعولا معه ، وهذا الوجه أحسن لأنه جواب عن هذا السؤال وعن السؤال الأول ، فإنه إذا كان الإيمان مفعولا معه لم يلزم السؤال الأول ، إذ لا يلزم إلا إذا كان الإيمان معطوفا على الدار .
{ ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا } قيل : إن الحاجة هنا بمعنى الحسد ، ويحتمل أن تكون بمعنى الاحتجاج على أصلها والضمير في يجدون للأنصار ، وفي أوتوا للمهاجرين ، والمعنى : أن الأنصار تطيب نفوسهم بما يعطاه المهاجرون من الفيء وغيره ، ولا يجدون في صدورهم شيئا بسبب ذلك .
{ ويؤثرون على أنفسهم } أي : يؤثرون غيرهم بالمال على أنفسهم ولو كانوا في غاية الاحتياج والخصاصة هي الفاقة ، وروي : أن سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم هذه القرى على المهاجرين دون الأنصار قال للأنصار : " إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة وإن شئتم أمسكتم أموالكم وتركتم لهم هذه " فقالوا : بل نقسم لهم من أموالنا ونترك لهم هذه الغنيمة ، وروي أيضا : أن سببها أن رجلا من الأنصار أضاف رجلا من المهاجرين فذهب الأنصاري بالضيف إلى منزله فقالت له امرأته : والله ما عندنا إلا قوت الصبيان فقال لها : نومي صبيانك وأطفئي السراج ، وقدمي ما عندك للضيف ونوهمه نحن أنا نأكل ولا نأكل ففعلا ذلك فلما غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : عجب الله من فعلكما البارحة نزلت الآية .
{ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } شح النفس هو البخل والطمع وفي هذا إشارة إلى أن الأنصار وقاهم الله شح أنفسهم فمدحهم الله بذلك ، وبأنهم يؤثرون على أنفسهم وبأنهم لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتي المهاجرون وأنهم يحبون المهاجرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.