{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 8 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 9 ) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 10 ) }
الذين نهوا عن النجوى : هم اليهود والمنافقون .
العدوان : الاعتداء على غيرهم ، كمعصية الرسول ومخالفته .
لولا يعذبنا الله : هلا يعذبنا بسبب ذلك .
حسبهم جهنم : عذاب جهنم كاف لهم في الآخرة .
8-{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .
تفيد هذه الآيات أن فريقا من اليهود والمنافقين كانوا يكيدون للإسلام والمسلمين ، ويتناجون بما يسوء بعض المسلمين ، وقد اشتكى المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى اليهود عن ذلك ، ونصح المنافقين بالبعد عنه ، لكنهم عاودوا هذه المناجاة فيما بينهم .
نزلت في اليهود والمنافقين ، كانوا يتناجون فيما بينهم ، وينظرون للمؤمنين ويتغامزون بأعينهم ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا ؛ فنزلت .
وفي الآية تعجيب من حالهم ، أي : ألم تشاهد يا كل من يتأتى منه المشاهدة ، اللذين نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن النجوى بالإثم والكيد ، ثم هم يعودون لما نهوا عنه ، ويكررون العودة إليه ، لأن الفعل المضارع يفيد الحال والاستقبال والتجدد ، فقد كان اليهود والمنافقون شوكة في جنب المسلمين ، وكانوا يتناجون في صوت خافت بالكيد والدس والفتنة والأذى للمسلمين ، ومخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن سوء أدبهم أنهم كانوا إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له : ( السام عليكم ) ، وهي كلمة عبرية معناها : الموت عليكم ، مع أن الله حيا رسوله في التشهد بقوله : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " .
وقال سبحانه وتعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } . ( الأحزاب : 56 ) .
وقال تعالى : { وسلام على المرسلين } . ( الصافات : 181 ) .
وقال سبحانه وتعالى : { وسلام على عباده الذين اصطفى . . . }( النمل : 59 ) .
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن أناسا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " وعليكم " . قالت عائشة : قلت : عليكم السام ، ولعنكم الله وغضب عليكم . وفي رواية : عليكم السام والذام واللعنة .
فقال صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة ، إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش " ، فقلت : ألا تسمعهم يقولون : السام ، فقال : " يا عائشة ، أو ما سمعت أقول وعليكم " ؟ فأنزل الله تعالى : { وإذا جاءوك . . . }الآيةix .
وهذا يدل على الدور السيئ لليهود ، وإيذائهم للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُول . . . }
ويقولون فيما بينهم : هلا يعذبنا الله بهذا القول لو كان محمد نبيا ، فلو كان نبيا حقا لعذبه الله على هذا الكلام .
وظاهر من سياق السورة ، من مطلعها ، أن الله قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما كانوا يقولونه في أنفسهم ، وبمجالسهم ومؤامراتهم 1ه .
{ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .
إن الله مطلع وشاهد على مؤامراتهم ونجواهم ، واجتماعاتهم المشتملة على الكيد والدسّ وتبييت السوء للمسلمين ، وقد كشف أمرهم في الدنيا ، وأجل العقوبة إلى الآخرة ، حيث يصطلون بنار جهنم ، ويقاسون حرها ولهيبها ، والهوان والخزي والذل في عذابها .
كانوا يقولون : لو كان محمدا نبيا لما أمهلنا الله بسبه والاستخفاف به ، وجهلوا أن الباري حليم لا يعاجل بالعقوبة .
وقد ثبت في الصحيح : " لا أحد أصبر على الأذى من الله ، يدعون له الصاحبة والولد ، وهو يعافيهم ويرزقهم " ، فأنزل الله تعالى هذا كشفا لسرائرهم ، وفضحا لبواطنهم ، وتكريما لرسول لله صلى الله عليه وسلم . x
{ ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى } : أي المسارة الكلامية والمنهيون هم اليهود والمنافقون .
{ ثم يعودون لما نهوا } : أي من التناجي تعمداً لأذية المؤمنين بالمدينة .
{ ويتناجون بالإِثم والعدوان } : أي بما هو إثم في نفسه ، وعداوة الرسول والمؤمنين .
{ ومعصية الرسول } : أي يتناجون فيوصي بعضهم بعضاً بمعصية الرسول وعدم طاعته .
{ وإذا جاءوك حيوك } : أي جاءوك أيها النبي حيوك بقولهم السام عليك .
{ بما لم يحيك به الله } : أي حيوك بلفظ السام عليك ، وهذا لم يحي الله به رسوله بل حياه بلفظ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .
{ ويقولون في أنفسهم } : أي سراً فيما بينهم .
{ لولا يعذبنا الله بما نقول } : أي هلا يعذبنا الله بما نقول له ، فلو كان نبياً لعاجلنا الله بالعقوبة .
{ حسبهم جهنم يصلونها } : أي يكفيهم عذاب جهنم يصلونها فبئس المصير لهم .
قوله تعالى { ألم تر } الآية : هذه نزلت في يهود المدينة والمنافقين فيها ، إذ كانوا يتناجون أي يتحدثون سرّاً على مرأى من المؤمنين ، والوقت وقت حرب فيوهمون المؤمنين أن عدواً قد عزم على غزوهم ، أو أن سرية هزمت أو أن مؤامرة تحاك ضدهم ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التناجي ، " وقال لا يتناج اثنان دون ثالث " وأبوا إلا أن يتناجوا فأنزل الله تعالى هذه الآية يعجب رسوله منهم ويوعدهم بعد فضحهم وكشف الستار عن كيدهم للمؤمنين ومكرهم بهم ، فقال تعالى لرسول ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى وهي التناجي المحادثة السرية أمام الناس ، ثم يعودون لما نهوا عنه عصياناً وتمرداً عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويتناجون لا بالبر والتقوى ، ولكن بالإِثم والعدوان ومعصية الرسول أي بما هو إثم في نفسه كالغيبة والبذاء في القول ، وبالعدوان وهو الاعتداء على المؤمنين وظلمهم ، وبمعصية الرسول فيوصي بعضه بعضاً بعصيان الرسول وعدم طاعته في أمره ونهيه .
هذا وشر منه أنهم إذا جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيَّوه بمالم يحيه به الله فلم يقولوا السلام عليكم ولكن يقولون السام عليكم ، والسام الموت ، يلوون بها ألسنتهم ، ويأتون الرسول واحداً واحداً ليحيوه بهذه التحية الخبيثة ليدعوا عليه بالموت لعنة الله عليهم ما أكثر أذاهم ، وما أشد مكرهم ، وما أنتن خبثهم ، ويقولون في أنفسهم أي فيما بينهم لو كان محمد نبياً لآخذنا الله بما نقول له من الدعاء عليه بالموت ، وهذا معنى قوله تعالى عنهم : { ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول } أي هلاًَّ عذبنا الله بما نقول لمحمد صلى الله عليه وسلم لو كان نبياً .
قال تعالى حسبهم عذاباً جهنم يصلونها يحترقون بحرها ولظاها يوم القيامة فبئس المصير الذي يصيرون إليه في الدار الآخرة جهنم وزقومها وحميمها وضريعها وغسلينها ويحمومها وفوق ذلك غضب الله ولعنته عليهم .
- بيان مكر اليهود والمنافقين وكيدهم للمؤمنين في كل زمان ومكان .
- إذا حيا الكافرُ المؤمنَ ورد عليه المؤمنُ رد عليه بقوله وعليكم لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه ناس من اليهود فقالوا السام عليك يا أبا القسم ، فقال صلى الله عليه وسلم " وعليكم " ، فقالت عائشة رضي الله عنها عليكم السام ولعنكم الله وغضب عليكم . فقال لها عليه الصلاة والسلام : " يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش " فقالت ألا تسمعهم يقولون السام ؟ " فقال لها أو ما سمعت ما أقول : وعليكم " ، فأنزل الله هذه الآية رواه الشيخان .
- إذا سلم الذميّ وكان سلامه بلفظ السلام عليكم لا بأس أن يرد عليه بلفظه .