تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا} (2)

1

المفردات :

بلغن أجلهن : قاربن انتهاء العدة .

فأمسكوهن : فراجعوهنّ .

بمعروف : مع حسن عشرة .

فارقوهن بمعروف : مع إعطاء الحق ، واتقاء المضارة .

التفسير :

2- { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } .

إذا قاربت الزوجة إتمام العدة ، فإن لزوجها اختيار واحد من اثنين :

أ- أن يراجعها ويعاشرها بالمعروف .

ب- أن يفارقها بالمعروف فيعطيها مؤخر الصداق ويعطيها المتعة والنفقة والمكارمة والإحسان ، لأنها كانت تعلقّ آمالها على الحياة مع زوجها ، فينبغي أن يترفق بها ، وييسّر لها الإقامة والنفقة ، حسب يساره وإعساره .

والرجعة أو الطلاق أو الزواج كلها تحتاج إلى شهود ، وأقل الشهود رجلان مشهود لهما بالعدالة ، وينبغي أن نقيم الشهادة لوجه الله ومرضاته ، فلا نؤدي الشهادة لمصلحة الزوج ولا لمصلحة الزوجة ، بل نؤدي الشهادة بالحق والعدل .

وهذه الأوامر كلها من أول السورة إلى هنا ، كالطلاق في طهر لم يجامعها فيه ، وإحصاء العدة ، وعدم إخراج المطلقة من بيتها ، والإمساك بالمعروف ، والإشهاد في النكاح والطلاق والرجعة ، والإقساط في الشهادة ، كل ذلك يوصي به الله ، ويأمر به المؤمن ، ويعظنا به فيبغي أن ينفذه المؤمن .

{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } .

من يراقب أوامر الله ، ويُنفذ ما شرعه الله وأمر به ، ويتجنب ما نهى عنه الله ، يجعل الله له مخرجا من كل ضيق ، ويجعل له بعد العسر يسرا ، وبعد الشدة فرجا ، ويُفرج عنه الغم والهمّ الذي يصيبه ، بسبب الحزن على فراق الزوج أو الزوجة .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا} (2)

{ فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } يريد آخر العدة والإمساك بمعروف هو تحسين العشرة وتوفية النفقة ، والفراق بالمعروف هو أداء الصداق والإمتاع حين الطلاق والوفاء بالشروط ونحو ذلك .

{ وأشهدوا ذوي عدل منكم } هذا خطاب للأزواج والمأمور به هو الإشهاد على الرجعة عند الجمهور ، وقد اختلف فيه هل هو واجب أو مستحب على قولين في المذهب وقال ابن عباس هو الشهادة على الطلاق وعلى الرجعة ، وهذا أظهر لأن الإشهاد به يرفع الإشكال والنزاع ولا فرق في هذا بين الرجعة والطلاق ، وقد ذكرنا العدالة في البقرة وقوله : { ذوي عدل } يدل على أنه إنما يشهد في الطلاق والنكاح الرجال دون النساء وهو مذهب مالك خلافا لمن أجاز شهادة النساء في ذلك وقوله : { منكم } يريد من المسلمين وقيل : من الأحرار فيؤخذ من ذلك رد شهادة العبيد ، وهو مذهب مالك .

{ وأقيموا الشهادة لله } هذا خطاب للشهود وإقامة الشهادة يحتمل أن يريد بها القيام فإذا استشهد وجب عليه أن يشهد وهو فرض كفاية ، وإلى هذا المعنى أشار ابن الفرس ويحتمل أن يريد إقامتها بالحق دون ميل ولا غرض ، وبهذا فسره الزمخشري وهو أظهر لقوله : { لله } وهو كقوله : { كونوا قوامين بالقسط } [ النساء : 135 ] شهداء لله { ذلكم } إشارة إلى ما تقدم من الأحكام . { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } قيل : إنها في الطلاق ومعناها : من يتق الله فيطلق طلقة واحدة ، حسبما تقتضيه السنة ، يجعل له مخرجا بجواز الرجعة متى قدم على الطلاق وفي هذا المعنى روي عن ابن عباس أنه قال : لمن طلق ثلاثا إنك لم تتق الله فبانت منك امرأتك ولا أرى لك مخرجا أي : لا رجعة لك وقيل : إنها على العموم أي : من يتق الله في أقواله وأفعاله يجعل له مخرجا من كرب الدنيا والآخرة ، وقد روي هذا أيضا عن ابن عباس وهذا أرجح لخمسة أوجه : أحدها : حمل اللفظ على عمومه فيدخل في ذلك الطلاق وغيره .

الثاني : أنه روي أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي وذلك أنه أسر ولده وضيق عليه رزقه فشكى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالتقوى فلم يلبث إلا يسيرا وانطلق ولده ووسع الله رزقه .

والثالث : أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأها فقال : " مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة " .

والرابع : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم " : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } الآية : فما زال يقرؤها ويعيدها .

الخامس : قوله { ويرزقه من حيث لا يحتسب } ، فإن هذا لا يناسب الطلاق وإنما يناسب التقوى على العموم .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا} (2)

قوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهنّ بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الأخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا 2 ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا } .

المراد ببلوغ الأجل ، قرب انقضاء العدة . يعني إذا شارفت المطلقات على انقضاء عدتهن { فأمسكوهن بمعروف } يعني راجعوهن بالرغبة والرفق والتسامح والإحسان من غير مضارّة أو مشاتمة أو مقابحة . وعلى هذا إذا شارفت المطلقة على انقضاء عدتها فالزوج حينئذ بالخيار . فإما أن يعزم على إرجاعها إلى عصمة نكاحه فيحسن صحبتها وإما أن يعزم على مفارقتها بمعروف دون إساءة أو تعنيف أو إيذاء ، بل يطلقها بالرفق والحسنى .

قوله : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } يعني أشهدوا على إمساكهن - وهي المراجعة - شاهدي عدل من المسلمين ، موصوفين بالدين والأمانة والصدق احتياطيا من التجاحد بينهما . وروي عن ابن عباس قوله : إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها أشهد رجلين . وقيل : الأمر بالإشهاد هنا يراد به على الطلاق . لكن الأظهر رجوعه إلى الإمساك وهو الرجعة وليس الطلاق .

على أن الإشهاد على الرجعة أو الفرقة مندوب إليه عند الحنفية ، فأيتهما اختيار الزوج ندب له أن يشهد ذوي عدل من المسلمين . وإذا لم يشهد على الفرقة أو الإمساك ( الرجعة ) صح منه ذلك وخالف به السنة ، وذهب الإمام الشافعي إلى وجوب الإشهاد على الرجعة ، ومنذوب إليه في المفارقة . على أن الإشهاد مندوب إليه عند أكثر العلماء .

أما كيفية الرجعة إنما تتم بالكلام عند الشافعي . فلا تصح عند المراجعة إلا بالقول ليقع الإشهاد عليها . وتتم المراجعة عند الإمام مالك بغير القول مما يدل على إرادة الرجعة . وذلك كما لو قبّل أو باشر ، يريد بذلك ، الرجعة . وعند أبي حنيفة ، لو قبّل أو لامس بشهوة أو نظر إلى الفرج فذلك كله رجعة .

قوله : { وأقيموا الشهادة لله } يعني اشهدوا على الحق ، وأدوا الشهادة إذا استشهدتم بصدق واستقامة { ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } الإشارة إلى ما تقدم ذكره من الأحكام عند الفراق والإمساك ، من الأمر بالإشهاد وإقامة الشهادة لله . فذلك موعظة من الله لعباده يتعظ بها المؤمنون الذين آمنوا بالله واليوم الآخر فهم الذين ينتفعون بها دون غيرهم من غير المؤمنين .

قوله : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي . وذلك أن المشركين أسروا ابنا له فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الفاقة . وقال : إن العدو أسر ابني وجزعت الأم فما تأمرني ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اتق الله واصبر ، وآمرك وأياها أن تستكثروا من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله " فعاد إلى بيته وقال لامرأته : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله . فقالت : نعم ما أمرنا به . فجعلا يقولان ، فغفل العدو عن ابنه ، فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة ، فنزلت الآية{[4562]} .

ويستفاد من عموم الآية أن التقوى سبيل الخلاص والنجاة من الآفات والأزمات والكروب . والمؤمن الموصول القلب بالله فلا يذعن لأحد سواه ولا يرتضي بغير شرعه ودينه أيما شرع أو منهاج ، لا جرم أن الله منجّيه من محن الدهر ونائبات الأيام .

قال ابن عباس في تأويل قوله : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } أي مخرجا من كل كرب في الدنيا والآخرة . وقيل : { يجعل له مخرجا } من النار إلى الجنة . وقيل : { يجعل له مخرجا } أي مخرجا من كل شدة . أو من كل شيء ضاق على الناس على أن عموم الآية يتناول كل هذه المعاني . فالمؤمن التقي ذو القلب الخاشع لله ، المنيب إليه لا يخذله الله ولا يسلمه للشدائد والنوائب ، وإنما ينجيه مما ينزل به من الكروب والمصائب .


[4562]:أسباب النزول للنيسابوري ص 290