تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

10

المفردات :

الروح : الوحي .

يوم التلاق ، يوم القيامة ، وسمي بذلك لالتقاء الخالق بالمخلوق ، والمخلوقين بعضهم ببعض .

التفسير :

15- { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق } .

هو سبحانه عظيم الشأن والسلطان ، صاحب الرفعة والمقام العالي ، أو هو سبحانه يرفع عباده إلى الدرجات العلى ، وهو سبحانه صاحب العرش العظيم ، والملك الكامل لكل شيء في الوجود ، وهو الذي ينزّل القرآن على من يختاره للرسالة ، وقيل : الروح جبريل ، وقيل : الروح الوحي ، وكلها متقاربة ، وإنما سمى الوحي روحا لأن به حياة النفوس ، كما تحيا الأجسام بالطعام ، فإن الأرواح تحيا بالوحي ، فالله تعالى يختار للرسالة من يشاء من عباده ، وهو سبحانه أعلم حيث يجعل رسالته .

{ لينذر يوم التلاق } .

ليخوّف الخلق من الحساب والجزاء في ذلك اليوم ، الذي يتلاقى فيه الأولون والآخرون ، أو آدم وآخر مخلوق في ذرته ، أو أهل السماوات وأهل الأرض ، أو الخالق والمخلوق ، أو جميع ذلك .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

{ ذو العرش } أي خالقه ومالكه .

{ يلقى الروح من أمره } أي هو ينزل الوحي أو الكتب المنزلة بقضائه . أو ينزل جبريل عليه السلام من أجل تبليغ أمره تعالى . { يوم التلاق } يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

{ رفيع الدرجات } رافعها لأهل الثواب في الجنة { ذو العرش } مالكه وخالقه { يلقي الروح } الوحي الذي تحيا به القلوب من موت الكفر { من أمره } من قوله { على من يشاء من عباده } على من يختصه بالرسالة { لينذر يوم التلاق } ليخوف الخلق يوم يلتقي أهل الأرض وأهل السماء أي يوم القيامة

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

ولما كان الإخلاص لا يتأتى إلا ممن رفعه إشراق الروح عن كدورات الأجسام ، وطارت به أنوارها عن حضيض ظلمات الجهل إلى عرش العرفان ، فصار إذ كان الملك الديان سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها بمعنى أنه لا يفعل بشيء من هذه الجوارح إلا ما أمره به سبحانه يتصرف في الأكوان بإذن الفتاح العليم تكسب القلوب من ضياء أنواره ويحيى ميت الهمم بصافي أسراره ، نبه سبحانه على ذلك حثاً عليه وتشويقاً إليه بقوله ممثلاً بما يفهمه العباد مخبراً عن مبتدأ محذوف تقديره : هو { رفيع الدرجات } أي فلا يصل إلى حضرته الشماء إلا من علا في معارج العبادات ومدارج الكمالات .

ولما كنا لا نعرف ملكاً إلا بغلبته على سرير الملك ، وكانت درج كل ملك ما يتوصل بها إلى عرشه ، أشار سبحانه بجميع القلة إلى السماوات التي هي دون عرشه سبحانه ، ثم أشار إلى أن الدرج إليه لا تحصى بوجه ، لأنا لو أنفقنا عمر الدنيا في اصطناع درج للتوصل إلى السماء الدنيا ما وصلنا ، فكيف بما فوقها فكيف وعلوه سبحانه ، ليس هو بمسافة بل علو عظمة ونفوذ كلمة تنقطع دونها الآمال وتفنى الأيام والليال ، والكاشف لذلك أتم كشف تعبيره في { سأل } بصيغة منتهى الجموع { المعارج } - ثم قال ممثلاً لنا بما نعرف : { ذو العرش } أي الكامل الذي لا عرش في الحقيقة إلا هو ، فهو محيط لجميع الأكوان ومادة لكل جماد وحيوان ، وعال بجلاله وعظمه عن كل ما يخطر في الأذهان .

ولما كان الملوك يلقون أوامرهم من مراتب عظمائهم إلى من أخلصوا في ودادهم قال : { يلقي الروح } أي الذي تحيى به الأرواح حياة الأشباح بالأرواح { من أمره } أي من كلامه ، ولا شك أن الذي يلقي ليس الكلام النفسي وإنما هو ما يدل عليه ، وهو الذي يقبل النزول والتلاوة والكتابة ونحو ذلك . ولما كان أمره عالياً على كل أمر ، أشار إلى ذلك بأداة الاستعلاء فقال : { على من يشاء } ولما كان ما رأوه من الملوك لا يتمكنون من رفع كل من أرادوا من رقيقهم ، نبه على عظمته بقوله : { من عباده } وأشار بذلك مع الإشارة إلى أنه مطلق الأمر لا يسوغ لأحد الاعتراض عليه ، ولو اعترض كان اعتراضه أقل من أن يلتفت إليه أو يعول بحال عليه إلى توهية قولهم

{ أو أنزل عليه الذكر من بيننا }[ ص : 8 ] بأنه عليه السلام المخلص في عبادته لم يمل إلى شيء من أوثانهم ساعة ما ولا صرف لحظة عن الإله الحق طرفة عين ، فلذلك اختصه من بينهم بهذا الروح الذي لا روح في الوجود سواه ، فمن أقبل عليه وأخلص في تلاوته والعمل بما يدعو إليه والبعد عما ينهى عنه صار ذا روح موات يحيي الأموات ويزري بالنيرات . قال الرازي : قال ابن عطاء : حياة القلب على حسب ما ألقي إليه من الروح ، فمنهم من ألقي إليه روح الرسالة ، ومنهم من ألقي إليه من الروح ، فمنهم من ألقي إليه روح الرسالة ، ومنهم من ألقى إليه روح النبوة ، ومنهم من ألقي إليه روح الصديقية والكشف والمشاهدة ، ومنهم من ألقي إليه روح العلم والمعرفة ، ومنهم من ألقي إليه روح العبادة والخدمة ، ومنهم من ألقي إليه روح الحياة فقط ، ليس له علم بالله ولا مقام مع الله ، فهو ميت في الباطن ، وله الحياة البهيمية التي يهتدي بها إلى المعاش دون المعاد - انتهى . وبالجملة فكل من هذه الأرواح منطق لمن ألقي عليه مطلق للسانه ببديع بيانه وإن اختلف نطقهم في بيانهم ، وتصرفهم في عظيم شأنهم .

ولما بين سر اختصاصه بالإرسال لهذا النبي الكريم ، أتبع ذلك بما يزيده بياناً من ثمرة الإرسال فقال : { لينذر } أي الذي اختصه سبحانه بروحه ، وعبر بما يقتضيه تصنيف الناس الذي هو مقصود السورة من الاجتماع ، وأزال وهم من قد يستحيل لقاء سبحانه لرفعة درجاته وسفول درجات غيره { يوم التلاق * } أي الذي لا يستحق أن يوصف بالتلاقي على الحقيقة غيره لكونه يلتقي فيه الأولون والآخرون وأهل السماوات والأرض ولا حيلة لأحد منهم في فراق غريمه بغير فصل على وجه العدل ، وإلى هذا المعنى أشارت قراءة ابن كثير باثبات الياء في الحالين وهو واضح جداً في إفراد حزبي الأسعدين والأخسرين فإنه تلاق لا آخر له ، وأشارت قراءة الجمهور بالحذف في الحالين إلى تلاقي هذين الجزئين : أحدهما بالآخر فإنه - والله أعلم - قل ما يكون حتى يفترقا بالأمر بكل إلى داره : الأسعدين بغير حساب ، والأخسرين لا يقام لهم وزن ، وأشار الإثبات في الموقف دون الوصل إلى الأمر الوسط وهي لمن بقي فإن لقاءهم يمتد إلى حين القصاص لبعضهم من بعض .