تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ} (11)

9

المفردات :

ثم استوى إلى السماء : قصد وعمد نحوها ، أي تعلقت إرادته بها .

وهي دخان : مادة عازية مظلمة ، تشبه الدخان في رأى العين .

ائتيا طوعا أو كرها : اخضعا لمرادي طائعتين أو مكرهتين .

قالتا آتينا طائعين : هذه كناية عن الطاعة والإذعان والامتثال .

التفسير :

11- { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين } .

أي : قصد سبحانه وعمد إلى خلق السماء ، وهي في حالة غازية تشبه الدخان ، فقال للسماء : أطلعي شمسك وقمرك وكواكبك ، وأجري رياحك وسحابك ، وقال للأرض : شُقّي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك .

وقد قال سبحانه وتعالى للسماء والأرض : انقادا لأمري طائعتين أو مكرهتين ، فأظهرتا من الطاعة والامتثال والاستجابة والطواعية ما دل على أنهما طائعتان لأمره ، بحيث لو نطقتا لقالتا : أتينا طائعتين .

قال الفخر الرازي :

والمقصود من هذا القول إظهار كمال القدرة ، أي ائتيا شئتما ذلك أو أبيتما ، كما يقول الجبار لمن تحت يده ، لتفعلنّ هذا شئت أو لم تشأ ، ولتفعلنه طوعا أو كرها ، وانتصابهما على الحال بمعنى طائعين أو مكرهين . . . ا ه .

وقد ذكر العلماء هنا إشكالا ، مؤداه أن مفهوم الآيات هنا في سورة فصّلت يُفيد أن الأرض خلقت أولا ، ثم خلقت السماء بعد خلق الأرض ، لكن في سورة النازعات يقول القرآن الكريم : { أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها* رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها } . ( النازعات : 27-30 ) .

وقد ذكر الإمام الرازي :

أن الله تعالى خلق الأرض في يومين أولا ، ثم خلق بعدها السماء ، ثم بعد خلق السماء دحا الأرض ، أي بسطها ، وبهذا يزول التناقض .

وعند التأمل نجد أن الكون كله كان في حالة غازية ، عُبّر عنها بنظرية السديم ، أي أن الكون كان في حالة ملتهبة ، احتاج إلى بلايين السنين ليهدأ ويتم خلقه ، وأن الأيام الستة تعني ست مراحل مر بها خلق الكون حتى اكتمل وصار صالحا للحياة .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ} (11)

{ ثم استوى إلى السماء } أي قصد إلى خلقها وإيجادها . وظاهر هذه الآية وآية " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى السماء فسواهن سبع سموات " {[300]} يدل على تقدم خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها ؛ وإليه ذهب جمهور المفسرين . وقيل : إن خلق السماء متقدم

على خلق الأرض ؛ أخذا بظاهر قوله تعالى في سورة النازعات : " والأرض بعد ذلك دحاها " أي بسطها . ووفق بعضهم بين ظواهر الآيات ؛ كما روي عن ابن عباس بأن الله خلق الأرض قبل خلق السماء ، ثم خلق السماء ثم دحا الأرض بعد ذلك . واعترض عليه بأن آية البقرة صريحة في خلق ما في الأرض قبل خلق السموات ، ومعلوم أن خلق ما فيها إنما هو بعد الدحو ؛ فكيف يكون الدحو متأخرا عن خلق السموات ! ؟ ولذلك رجح الجمهور القول الأول ، وأولوا قوله تعالى : " والأرض بعد ذلك دحاها " بما سيأتي بيانه في تفسيرها بمشيئته تعالى .

{ فقال لها وللأرض ائتيا . . . } أخرجا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد . { قالتا أتينا طائعين } فعلنا ما أمرتنا به منقادين ؛ وهو تصوير لانفعالهما بالقدرة الإلهية .


[300]:آية 29 البقرة.