تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

إثبات البعث والقيامة

{ فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب ( 11 ) بل عجبت ويسخرون ( 12 ) وإذا ذكروا لا يذكرون ( 13 ) وإذا رأوا آية يستسخرون ( 14 ) وقالوا إن هذا إلا سحر مبين( 15 ) أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون ( 16 ) أو آباؤنا الأولون ( 17 ) قل نعم أنتم داخرون ( 18 ) فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون ( 19 ) وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ( 20 ) هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ( 21 )* }

المفردات :

فاستفتهم : فاستخبر أهل مكة ، من قولهم : استفتى فلانا ، إذا استخبره وسأله عن أمر يريد علمه .

أشد خلقا : أصعب خلقا ، وأشق إيجادا .

طين لازب : طين ملتصق بعضه ببعض .

11

التفسير :

11- { فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب } .

أي : اسألهم يا محمد سؤال مستفهم منهم : هل خَلْقُهم أصعب أم من خلقنا من السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى ؟ لقد خلقنا السماوات وما فيها ، والملائكة والجن والنجوم والجبال والشجر والدواب والناس ، فهل خلق الناس أصعب ، أم خلق الكون وما فيه ؟ إن الإنسان قد خلق من طين رخو ، ملتصق بعضه ببعض ، ثم نفخ الله فيه الروح فصار إنسانا سويا .

وقد قال تعالى : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } . [ غافر : 57 ] .

إن هذه الآية : { فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا . . . } قد اشتملت على دليلين على البعث .

الأول : أن الله تعالى خلق الكون ، وخَلْقُ الكون أكبر من خلق الناس ، ومن قدر على الأكبر كان أقدر على خلق الأصغر .

الثاني : أن الله بدأ خلقهم من طين لازب ، والإعادة أهون من البدء ، فمن خلقهم أولا قادر على إعادة خلقهم عند البعث مرة أخرى .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فاستفتهم} يقول: سلهم {أهم أشد خلقا}: سل هؤلاء أهم أشد خلقا بعد موتهم لأنهم كفروا بالبعث.

{أم من خلقنا} يعني خلق السماوات والأرض، وما بينهما والمشارق، لأنهم يعلمون أن الله جل وعز خلق هذه الأشياء، ثم أخبر عن خلق الإنسان، فقال جل وعز: {إنا خلقناهم} يعني آدم {من طين لازب} يعني لازب بعضه في البعض، فهذا أهون خلقا عند هذا المكذب بالبعث من خلق السماوات والأرض وما بينهما والمشارق.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاستفت يا محمد هؤلاء المشركين الذي يُنكرون البعث بعد الممات والنشور بعد البلاء: يقول: فسَلْهم:"أهم أشدّ خلقا"؟ يقول: أخلقُهم أشدّ؟ أم يخلق من عددنا خلقه من الملائكة والشياطين والسموات والأرض؟...

وقوله: "إنّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ "يقول: إنا خلقناهم من طين لاصق. وإنما وصفه جلّ ثناؤه باللّزوب، لأنه تراب مخلوط بماء، وكذلك خَلْق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء، والتراب إذا خُلط بماء صار طينا لازبا، والعرب تُبدل أحيانا هذه الباء ميما، فتقول: طين لازم... عن ابن عباس، في قوله: "مِنْ طِينٍ لازِبٍ "قال: هو الطين الحرّ الجيد اللزج.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

سلهم: أخلقهم وإعادتهم أشد وأكبر وأعظم؟ وإذا أقررتم أنتم بقدرته على خلق السماوات والأرض كيف أنكرتم قدرته على إعادتكم بعد ما متّم، وكنتم ترابا ورُفاتا.

{إنا خلقناهم من طين لازِب} يذكر ضعفهم وشدة ما خلق من سواهم، إنكم تعلمون ضعف أنفسكم وعجزها وشدة من سواكم وقوتها وصلابتها، ثم إنها مع شدتها وقوّتها وصلابتها أخضع لله وأطوع منكم نحو ما ذكر من طاعتها له وخضوعها حين قال عز وجل: {ائتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11].

{فاستفتهم} يخرّج من الله عز وجل على وجوه:

أحدها: على التقدير عندهم والتنبيه لهم.

والثاني: على التعيير لهم والتوبيخ.

والثالث على التعليم للنبي صلى الله عليه وسلم جهة الحِجاج والمناظرة في ما بينهم وبيّن خصومهم. وهكذا كل سؤال أو استفتاء كان من خبير عليم لمن دونه؛ يخرّج على هذه الوجوه. وكل سؤال أو استفتاء كان من الجهّال لخبير عليم، يخرّج على استرشاد وطلب للصواب.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ}: من الأُمم الخالية، وقد أهلكناهم بذنوبهم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

عَرّفهم عَجْزَهم عن الإثبات، وضعفهم في كل حال، ثم ذكرهم نسبتهم أنها إلى الطين اللازب.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

قوله تهكماً بهم: {فاستفتهم} أي سلهم أن يتفتوا بأن يبينوا لك ما تسألهم عنه من إنكارهم البعث، وأصله من الفتوة وهي الكرم.

{إنا خلقناهم} أي على عظمتنا {من طين} أي تراب رخو مهين.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولا ينتظر منهم جواباُ، فالأمر ظاهر؛ إنما هو سؤال الاستنكار والتعجيب من حالهم العجيب، وغفلتهم عما حولهم، والسخرية من تقديرهم للأمور، ومن ثم يعرض عليهم مادة خلقهم الأولى، وهي طين رخو لزج من بعض هذه الأرض، التي هي إحدى تلك الخلائق.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الاستفتاء: طلب الفَتوى بفتح الفاء وبالواو، ويقال: الفُتْيَا بضم الفاء وبالياء، وهي إخبار عن أمر يخفَى عن غير الخواصّ في غرض مَّا.

فاسألهم عن رأيهم فلما كان المسؤول عنه أمراً محتاجاً إلى إعمال نظر أطلق على الاستفهام عنه فعل الاستفتاء.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

قوله تعالى : " فاستفتهم " أي سلهم يعني أهل مكة ؛ مأخوذ من استفتاء المفتي . " أهم أشد خلقا أم من خلقنا " قال مجاهد : أي من خلقنا من السموات والأرض والجبال والبحار . وقيل : يدخل فيه الملائكة ومن سلف من الأمم الماضية . يدل على ذلك أنه أخبر عنهم " بمن " قال سعيد بن جبير : الملائكة . وقال غيره : " من " الأمم الماضية وقد هلكوا وهم أشد خلقا منهم . نزلت في أبي الأشد بن كلدة ، وسمي بأبى الأشد لشدة بطشه وقوته . وسيأتي في " البلد " ذكره . ونظير هذه : " لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس " غافر : 57 ] وقوله : " أأنتم أشد خلقا أم السماء " [ النازعات : 27 ] . " إنا خلقناهم من طين لازب " أي لاصق ، قاله ابن عباس . ومنه قول علي رضي الله عنه :

تعلَّم فإن الله زادك بسطةً *** وأخلاقَ خيرٍ كلُّها لكَ لازِبُ

وقال قتادة وابن زيد : معنى " لازب " لازق . الماوردي : والفرق بين اللاصق واللازق أن اللاصق : هو الذي قد لصق بعضه ببعض ، واللازق : هو الذي يلتزق بما أصابه . وقال عكرمة : " لازب " لزج . سعيد بن جبير : أي جيد حر يلصق باليد . مجاهد : " لازب " لازم . والعرب تقول : طين لازب ولازم ، تبدل الباء من الميم . ومثله قولهم : لا تب ولازم . على إبدال الباء بالميم . واللازب الثابت ، تقول : صار الشيء ضربة لازب ، وهو أفصح من لازم . قال النابغة :

ولا تَحْسَبُونَ الخيرَ لا شَرَّ بعدَه *** ولا تَحْسَبُونَ الشَّرَّ ضربةَ لاَزِبِ

وحكى الفراء عن العرب : طين لاتب بمعنى لازم . واللاتب الثابت ، تقول منه : لتَبَ يلتُبُ لَتْبًا ولُتُوبا ، مثل لزب يلزُب بالضم لزوبا ، وأنشد أبو الجراح في اللاتب :

فإن يك هذا من نبيذٍ شَرِبْتُهُ *** فإنِّي من شُرْبِ النَّبِيذِ لتائبُ

صُدَاعٌ وتوصِيم العظامِ وفَتْرَةٌ *** وغَمٌّ مع الإشراق في الجَوْفِ لاَتِبُ{[13245]}

واللاتب أيضا : اللاصق مثل اللازب ، عن الأصمعي حكاه الجوهري . وقال السدي والكلبي في اللازب : إنه الخالص . مجاهد والضحاك : إنه المنتن .


[13245]:قوله: وغم مع الإشراق كرواية اللسان. ورواية الطبري: وغثى مع الإشراق.