تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

المفردات :

ليلة مباركة : كثيرة البركة ، وهي ليلة القدر على الأصح .

منذرين : مخوّفين .

التفسير :

الليلة المباركة

والليلة المباركة على الأرجح هي ليلة القدر ، وهي إحدى ليالي شهر رمضان ، وفي الصحيح أنها إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان ، وقد ابتدأ نزول القرآن الكريم في ليلة القدر ، فسمى الشيء باسم أوله تيمنا به ، حيث خاطبت السماء الأرض في هذه الليلة .

ثلاثة تنزلات

ذكر السيوطي في ( الإتقان ) ، والزركشي في ( البرهان ) أن القرآن الكريم له ثلاث تنزلات :

1- التنزل الأول : من رب العزة جل جلاله إلى اللوح المحفوظ في السماء السابعة ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ } . ( البروج : 21 ، 22 ) .

2- التنزل الثاني : من اللوح المحفوظ بالسماء السابعة إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } . ( القدر : 1 ) .

وبقوله تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . . . } ( البقرة : 185 ) .

3- التنزل الثالث : من بيت العزة في السماء الدنيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، منجما حسب الوقائع والحوادث ، خلال ثلاث وعشرين سنة ، منها ثلاث عشرة سنة في مكة ، وعشر سنوات في المدينة المنورة ، والحكمة في تعدد نزول القرآن الكريم هو التشريف والتكريم لهذا الكتاب الكريم ، حيث أنزله الله ثلاثة تنزلات ، وأيضا لإلهاب شوق النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث يشعر أن القرآن قريب منه بالسماء الدنيا ، على حد قول الشاعر :

وأعظم ما يكون الشوق يوما *** إذا دنت الخيام من الخيام

- فالقرآن الكريم نزل جملة واحدة من عند الله العلي القدير إلى اللوح المحفوظ بالسماء السابعة .

- ثم نزل جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ، قال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } . ( القدر : 1 ) .

- ثم نزل مفرقا ومنجما في شهور السنة كلها ، خلال ثلاث وعشرين سنة من عمره الشريف صلى الله عليه وسلم .

وبهذا نجمع بين الآثار الواردة التي تفيد أنه نزل في ليلة القدر ، وبين الواقع المشاهد الذي يفيد أنه نزل خلال ثلاث وعشرين سنة .

قال تعالى : { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا } . ( الإسراء : 106 ) .

عمره الشريف صلى الله عليه وسلم

نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وعمره أربعون سنة ، واستمر نزول الوحي عليه ثلاث عشرة سنة في مكة ، وهاجر إلى المدينة وعمره الشريف ثلاث وخمسون سنة ، ومكث تسع سنوات وبضعة أشهر في المدينة ، وانتقل إلى الرفيق الأعلى وعمره اثنان وستون سنة وبضعة أشهر صلى الله عليه وسلم ، ويمكن أن نقابل ذلك بالتاريخ الميلادي فنقول :

- ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 570 ميلادية .

- بدء نزول الوحي عليه سنة 610 ميلادية .

- هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سنة 623 ميلادية .

- لحاقه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى سنة 633 ميلادية ؛ وهو التاريخ الموافق لسنة 10 هجرية .

عود إلى التفسير :

قال ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل :

{ إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين } .

وكيفية إنزاله فيها أنه أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، ثم نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء .

وقيل المعنى : ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر .

وقال القرطبي : ووصف الليلة المباركة لما ينزل الله فيها على عباده من البركات والخيرات والثواب .

وقال ابن كثير :

{ إنا كنا منذرين } .

أي : معلمين الناس ما ينفعهم وما يضرهم شرعا ، لتقوم حجة الله على عباده .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

ليلة مباركة : هي ليلة القدر .

منذِرين : مُعْلِمين ومخوفين .

وأنه أنزلَ القرآنَ في ليلة مبارَكة هي ليلة القدر ، لإنذار العباد وتخويفهم بإرسال الرسُل وإنزال الكتب .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

إن جعلت " حم " جواب القسم تم الكلام عند قوله : " المبين " ثم تبتدئ " إنا أنزلناه " . وإن جعلت " إنا كنا منذرين " جواب القسم الذي هو " الكتاب " وقفت على " منذرين " وابتدأت " فيها يفرق كل أمر حكيم " . وقيل : الجواب " إنا أنزلناه " ، وأنكره بعض النحويين من حيث كان صفة للمقسم به ، ولا تكون صفة المقسم به جوابا للقسم ، والهاء في " أنزلناه " للقرآن . ومن قال : أقسم بسائر الكتب فقوله : " إنا أنزلناه " كنى به عن غير القرآن ، على ما تقدم بيانه في أول " الزخرف " {[13712]} والليلة المباركة ليلة القدر . ويقال : ليلة النصف من شعبان ، ولها أربعة أسماء الليلة المباركة ، وليلة البراءة ، وليلة الصك ، وليلة القدر . ووصفها بالبركة لما ينزل الله فيها على عباده من البركات والخيرات والثواب . وروى قتادة عن واثلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزلت الزبور لاثنتي عشرة من رمضان وأنزل الإنجيل لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان ) . ثم قيل : أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في هذه الليلة . ثم أنزل نجما نجما في سائر الأيام على حسب اتفاق الأسباب . وقيل : كان ينزل في كل ليلة القدر ما ينزل في سائر السنة . وقيل : كان ابتداء الإنزال في هذه الليلة . وقال عكرمة : الليلة المباركة ها هنا ليلة النصف من شعبان . والأول أصح لقوله تعالى : " إنا أنزلناه في ليلة القدر " [ القدر : 1 ] . قال قتادة وابن زيد : أنزل الله القرآن كله في ليلة القدر من أم الكتاب إلى بيت العزة في سماء الدنيا ، ثم أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في الليالي والأيام في ثلاث وعشرين سنة . وهذا المعنى قد مضى في " البقرة " {[13713]} عند قوله تعالى : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " [ البقرة : 185 ] ، ويأتي آنفا إن شاء الله تعالى .


[13712]:راجع ص 61 من هذا الجزء.
[13713]:آية 185 راجع ج 2 ص 290 طبعة ثانية.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

ولأجل ما ذكر من الاستبعاد أكد جواب القسم وأتى به في مظهر العظمة فقال{[57209]} : { إنا } أي بما لنا من العظمة { أنزلناه } أي الكتاب إما{[57210]} جميعاً إلى بيت العزة في سماء الدنيا أو ابتدأنا إنزاله إلى الأرض { في ليلة مباركة } أي ليلة القدر - قاله ابن عباس رضي الله عنهما{[57211]} أو النصف من شعبان ، فلذلك يتأثر{[57212]} عنه من التأثيرات{[57213]} ما لم تحط به الأفهام في الدين والدنيا ، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري : ينزل إلى سماء الدنيا{[57214]} كل سنة بمقدار ما كان جبريل عليه السلام ينزله على الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك السنة وسماها { مباركة } لأنها ليلة افتتاح الوصلة وأشد الليالي بركة يكون {[57215]}العبد فيها{[57216]} حاضراً بقلبه مشاهداً لربه ، يتنعم فيها بأنوار الوصلة {[57217]}ويجد فيها{[57218]} نسيم القربة ، وقال الرازي في اللوامع : وأعظم الليالي بركة ما كوشف{[57219]} فيها بحقائق الأشياء .

ولما كان هذا موضحاً لما لوح به آخر تلك من البشارة في ظاهر النذارة ، علل الإنزال أو{[57220]} استأنف ما فيه من واضح النذارة الموصل إلى المعاني المقتضية للبشارة ، فقال مؤكداً لأجل تكذيبهم : { إنا } أي على ما {[57221]}نحن عليه{[57222]} من الجلال { كنا } بما لنا من العظمة دائماً لعبادنا { منذرين * } لا نؤاخذهم{[57223]} من غير إنذار ، فلأجل رحمتنا لهؤلاء القوم وهم أرق الناس طبعاً وأصفاهم{[57224]} قلوباً وأوعاهم سمعاً{[57225]} نوصلهم بما هيأناهم به من ذلك إلى ما لم يصل غيرهم إليه ولم يقاربه من المعالي في الأخلاق والشمائل والاكتساب لجميع الفضائل .

وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تضمنت [ سورة-{[57226]} ] حم السجدة وسورة الشورى من ذكر الكتاب العزيز ما قد أشير إليه مما لم تنطو{[57227]} سورة غافر على شيء منه ، وحصل{[57228]} من مجموع ذلك الإعلام بتنزيله{[57229]} من عند الله وتفصيله وكونه قرآناً عربياً إلى ما ذكر تعالى من خصائصه إلى قوله

{ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون }[ الزخرف : 44 ] وتعلق الكلام بعد{[57230]} هذا بعضه ببعض إلى آخر السورة ، افتتح{[57231]} تعالى سورة الدخان بما يكمل ذلك الغرض ، وهو التعريف بوقت إنزاله إلى سماء الدنيا فقال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } ثم{[57232]} ذكر من فضلها فقال { فيها يفرق كل أمر حكيم } فحصل وصف الكتاب بخصائصه والتعريف بوقت إنزاله إلى [ سماء الدنيا-{[57233]} ] وتقدم الأهم من ذلك في السورتين قبل ، وتأخر التعريف بوقت إنزاله{[57234]} إلى سماء{[57235]} الدنيا إذ ليس في التأكيد كالمتقدم ، ثم وقع إثر هذا تفصيل{[57236]} وعيد قد أجمل في قوله تعالى { فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون } وما تقدمه من قوله { أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون } وقوله سبحانه { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم } وتنزيهه سبحانه وتعالى نفسه عن عظيم افترائهم في جعلهم الشريك والولد - إلى آخر السورة ، ففصل بعض{[57237]} ما أجملته هذه الآي في{[57238]} قوله تعالى في صدر سورة الدخان { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } وقوله تعالى { يوم نبطش البطشة الكبرى } ، والإشارة إلى يوم بدر ، ثم ذكر شأن غيرهم في هذا وهلاكهم بسوء ما ارتكبوا ليشعروا{[57239]} أن لا فارق {[57240]}إن هم{[57241]} عقلوا واعتبروا ، ثم عرض بقرنهم{[57242]} في مقالته ما بين لابتيها أعز مني ولا أكرم ، ثم{[57243]} ذكر تعالى : { شجرة الزقوم } إلى قوله : { ذق إنك أنت العزيز الكريم } والتحم هذا كله التحاماً يبهر العقول ، ثم اتبع بذكر حال المتقين جرياً على المطرد من شفع الترغيب والترهيب ليبين حال الفريقين وينتج{[57244]} علم الواضح من الطريقين ، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } وقد أخبره مع بيان الأمر ووضوحه أنه { إنما يتذكر من يخشى } ثم قال { فارتقب } وعدك ووعيدهم { إنهم مرتقبون } .


[57209]:العبارة من "والكتاب" إلى هنا ساقطة من ظ
[57210]:في مد: إلى-خطا.
[57211]:راجع أيضا معالم التنزيل بهامش اللباب6/119
[57212]:من مد، وفي الأصل وظ: تباشر
[57213]:من مد، وفي الأصل وظ: التأثرات
[57214]:في مد: السماء
[57215]:من ظ ومد، وفي الأصل: فيها العبد.
[57216]:من ظ ومد، وفي الأصل: فيها العبد.
[57217]:من ظ ومد، وفي الأصل: يحذفها.
[57218]:من ظ ومد، وفي الأصل: يحذفها.
[57219]:من مد، وفي الأصل وظ: كشف.
[57220]:من مد، وفي الأصل و ظ"و".
[57221]:من ظ ومد، وفي الأصل: لنا.
[57222]:من ظ ومد، وفي الأصل: لنا
[57223]:في مد: لا نأخذهم.
[57224]:من ظ ومد، وفي الأصل: اطفاهم
[57225]:زيد من مد.
[57226]:زيد من مد.
[57227]:من مد، وفي الأصل و ظ: لم ينطوي
[57228]:من ظ ومد، وفي الأصل: حاصل
[57229]:من ظ ومد، وفي الأصل: مزيلة.
[57230]:في الأصل و ظ بياص ملأناه من مد.
[57231]:في مد: استفتح.
[57232]:من ظ ومد، وفي الأصل: بما.
[57233]:زيد من مد.
[57234]:في مد: نزوله.
[57235]:من ظ، وفي الأصل: السماء، وهذه الكلمة مع ما قبلها وما بعدها ساقطة من مد
[57236]:من ظ ومد، وفي الأصل: التفصيل
[57237]:من ظ ومد، وفي الأصل: بعد
[57238]:من مد، وفي الأصل وظ: من
[57239]:من مد، وفي الأصل: و ظ: حتى يشعروا
[57240]:من مد، وفي الأصل و ظ: انهم.
[57241]:من مد، وفي الأصل و ظ: انهم.
[57242]:من مد، وفي الأصل و ظ: بفرعون هم
[57243]:في مد"و".
[57244]:من ظ ومد، وفي الأصل: ينتهج