{ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } .
باعد بين أسفارنا : اجعل المسافات والأبعاد بيننا وبين القرى المباركة طويلة ممتدة لتطول أسفارنا إليها .
أحاديث : لمن جاء بعدهم ولم يبق منهم إلا إخبارهم الغريبة .
ومزقناهم كل ممزق : فرقناهم في البلاد كل التفرق .
أسبغنا عليهم نعمنا فبطروا النعمة ، وسئموا من طيب العيش وملوا العاقبة ، وطلبوا الكد والتعب وطول الأسفار والتباعد بين الديار وقالوا : ربنا اجعل بيننا وبين البلاد التي تسافر إليه مفاوز وقفارا ليركبوا فيها الرواحل وليتزودوا بالماء والزاد إظهارا للتمايز الطبقي والتكبر والتفاخر على الفقراء والعاجزين .
إذ عرضوها للسخط والعذاب حين بطروا النعمة ولم يشكروا الله عليها .
{ فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق . . . }
شردوا ومزقوا وتفرقوا في أنحاء الجزيرة مبددي الشمل وأصلحوا أحاديث يرويها السمار في مجالسهم وفرقنا شملهم في البلاد كل تفريق فصارت تضرب بهم المثل فتقول ( تفرقوا أيدي سبأ ) أي مذاهب سبأ وطرقها .
فنزلت الأوس والخزرج بيثرب وغسان بالشام والأزد بعمان وخزاعة بتهامة فمزقهم الله كل ممزق وهدم السيل بلادهم .
{ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } .
أي في قصة سبأ وما حل بهم جزاء كفرهم وبطرهم لعبرة يعتبر بها كل صبور على الشدائد فلا يجزع ويهلع بل يلقيها بالإيمان والرضا والقدر خيره وشره حلوه ومره .
{ شكور } : لله على نعمائه اللهم اجعلنا من الشاكرين .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " عجبا للمؤمن لا يقضي الله تعالى له قضاء إلا كان خير له إن أصابته سراء شكر فكان خير له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمنين " . ix
ومن كلام العارفين نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطى شكر وإذا ابتلى صبر . *
مزّقناهم كل ممزق : فرقناهم في البلاد .
فبطروا وملّوا تلك النعم ، { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وظلموا أَنفُسَهُمْ } :
إذ عرّضوها للسخط والعذاب ، بنكران النعمة وعدم الوفاء بشكرها ، فجعلناهم أحاديث للناس ، وفرقناهم مشتتين في البلاد حتى صار يضرب بهم المثل فيقال : « تفرّقوا أيدي سبأ » أي : متفرقين كأهل سبأ ، وأيدي : تعني طُرقا ، ومن معاني اليد : الطريق .
ونزلت قبيلة غسان في حوران وأنشأت دولة الغساسنة ، وكانت عاصمتهم بُصرى ، وعدد ملوكهم 32 ملكا أولهم جفنة بن عمرو وآخرهم جَبَلَة بن الأيهم « أولاد جفنة بالزمان الأول » . ونزلت قبيلة لَخْم في الحِيرة من أرض العراق وأقامت دولة المناذرة . ونزلت قبيلة كِندة في نجد ، وبعضهم ذهب إلى حضرموت ، وأسسوا دويلات اليمن عبر التاريخ
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } : إن فيما حلّ بهؤلاء من النعمة والعذاب عظاتٍ لكل صبّار على البلاء ، شكور على النعم والعطاء .
قرأ أبو عمرو وابن كثير وهشام : { ربنا بعّد بين أسفارنا } ، وقرأ يعقوب : { باعدَ } فعل ماضي ، والباقون : { باعدْ بين أسفارنا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.