{ فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب ( 11 ) بل عجبت ويسخرون ( 12 ) وإذا ذكروا لا يذكرون ( 13 ) وإذا رأوا آية يستسخرون ( 14 ) وقالوا إن هذا إلا سحر مبين( 15 ) أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون ( 16 ) أو آباؤنا الأولون ( 17 ) قل نعم أنتم داخرون ( 18 ) فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون ( 19 ) وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ( 20 ) هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ( 21 )* }
فاستفتهم : فاستخبر أهل مكة ، من قولهم : استفتى فلانا ، إذا استخبره وسأله عن أمر يريد علمه .
أشد خلقا : أصعب خلقا ، وأشق إيجادا .
طين لازب : طين ملتصق بعضه ببعض .
11- { فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب } .
أي : اسألهم يا محمد سؤال مستفهم منهم : هل خَلْقُهم أصعب أم من خلقنا من السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى ؟ لقد خلقنا السماوات وما فيها ، والملائكة والجن والنجوم والجبال والشجر والدواب والناس ، فهل خلق الناس أصعب ، أم خلق الكون وما فيه ؟ إن الإنسان قد خلق من طين رخو ، ملتصق بعضه ببعض ، ثم نفخ الله فيه الروح فصار إنسانا سويا .
وقد قال تعالى : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } . [ غافر : 57 ] .
إن هذه الآية : { فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا . . . } قد اشتملت على دليلين على البعث .
الأول : أن الله تعالى خلق الكون ، وخَلْقُ الكون أكبر من خلق الناس ، ومن قدر على الأكبر كان أقدر على خلق الأصغر .
الثاني : أن الله بدأ خلقهم من طين لازب ، والإعادة أهون من البدء ، فمن خلقهم أولا قادر على إعادة خلقهم عند البعث مرة أخرى .
ولما بين هذه المخلوقات العظيمة قال : { فَاسْتَفْتِهِمْ } أي : اسأل منكري خلقهم بعد موتهم . { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا } أي : إيجادهم بعد موتهم ، أشد خلقا وأشق ؟ . { أَمْ مَنْ خَلَقْنَا } من [ هذه ] المخلوقات ؟ فلا بد أن يقروا أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس .
فيلزمهم إذا الإقرار بالبعث ، بل لو رجعوا إلى أنفسهم وفكروا فيها ، لعلموا أن ابتداء خلقهم من طين لازب ، أصعب عند الفكر من إنشائهم بعد موتهم ، ولهذا قال : { إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ } أي : قوي شديد كقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ }
قوله تعالى : { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ( 11 ) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ( 12 ) وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ ( 13 ) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ( 14 ) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ( 15 ) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( 16 ) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ( 17 ) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ } .
استفتهم : من الاستفتاء وهو نوع من السؤال . والهمزة للاستفهام التقريري ؛ أي استخبرهم ، والضمير لمشركي قريش أو مكة . وقد عادل في هذا الاستفهام التقريري في القوة الأشدية بين خلْق المشركين المكذبين بيوم القيامة ، وخَلْق غيرهم من الأمم والجن والملائكة والأفلاك ، والأرضيين . وهو قوله : { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا } { أمْ } استفهام تقريري ثان ؛ أي هل هم أقوى خلْقا أو أصعب خلْقا وأشقه أم من خلقنا غيرهم من السماوات والأرض وما فيهما من أفلاك وأجرام وخلائق . وذلك رد لإنكارهم البعث ؛ فإن من هان عليه خلْق هذا الكون الهائل العجيب لم يصعب عليه خلق البشر وإعادة إحيائهم من التراب من جديد . وهو قوله : { إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ } واللازب : اللاصق ، من اللزوب وهو اللصوق والثبوت{[3939]}
والمعنى : لماذا يعجبون من البعث وإحيائهم كرة أخرى بعد الموت . فقد أنشأهم الله من التراب ولا يعزّ عليه إنشاؤهم ثانية من الترب ، ويستفاد من الآية أيضا : التنبيهُ على ضعف بني آدم ورخاوتهم ؛ لأنهم مصنوعون من الطين الرخو الطري فهم لا يوصفون بالصلابة والقوة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.