{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون . }
من قرة أعين : من شيء نفيس تقر به أعينهم وتسر .
أي فلا يعلم أحد عظيم ما أخفى لهم وخبئ لهم من ألوان النعيم والرضا والقربى جزاء وفاقا بما كانوا يعملون لقد أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم .
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال إنه لمكتوب في التوراة لقد أعد الله تعالى للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ولا يعلم ملك مقرب ولا نبي مرسل وإنه لفي القرآن : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين . . .
وقال ابن عباس : الأمر في هذا أجل وأعظم من أن يعرف تفسيره .
قال القرطبي : وهذه الكرامة إنما هي لأعلى أهل الجنة منزلة . xi
وجاء في صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سأل موسى عليه السلام ربه فقال يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال : هو رجل يأتي بعدما يدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له أدخل الجنة ، فيقول : أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم و أخذوا أخذاتهم ؟ فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب فيقال له هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول : رضيت رب . . . . xii .
وأخرج مسلم أيضا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعكم عليه ثم قرأ : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين . . . . xiii .
وقال ابن سيرين المراد به النظر إلى الله تعالى .
وقال الحسن أخفى القوم أعمالا فأخفى الله تعالى لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت . xiv
وأما جزاؤهم ، فقال : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ } يدخل فيه جميع نفوس الخلق ، لكونها نكرة في سياق النفي . أي : فلا يعلم أحد { مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } من الخير الكثير ، والنعيم الغزير ، والفرح والسرور ، واللذة والحبور ، كما قال تعالى على لسان رسوله : " أعددت لعبادي الصالحين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر "
فكما صلوا في الليل ، ودعوا ، وأخفوا العمل ، جازاهم من جنس عملهم ، فأخفى أجرهم ، ولهذا قال : { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
قوله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } قرأ حمزة ويعقوب : أخفي لهم ساكنة الياء ، أي : أنا أخفي لهم ، ومن حجته قراءة ابن مسعود تخفي بالنون . وقرأ الآخرون بفتحها . { من قرة أعين } مما تقر به أعينهم ، { جزاءً بما كانوا يعملون } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا إسحاق بن نصر ، أنبأنا أبو أسامة عن الأعمش ، أنبأنا أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخراً بله ما اطلعتم عليه ثم قرأ : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } . قال ابن عباس هذا مما لا تفسير له . وعن بعضهم قال : أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم .
ولما ذكر جزاء المستكبرين ، فتشوفت النفس إلى جزاء المتواضعين ، أشار إلى جزائهم بفاء السبب ، إشارة إلى أنه هو الذي وفقهم لهذه الأعمال برحمته ، وجعلها سبباً إلى دخول جنته ، ولو شاء لكان غير ذلك فقال{[54786]} : { فلا تعلم نفس } أي من جميع النفوس مقربة ولا غيرها { ما أخفي لهم } أي لهؤلاء المتذكرين{[54787]} من العالم بمفاتيح الغيوب وخزائنها كما كانوا يخفون أعمالهم بالصلاة في جوف الليل وغير ذلك ولا يراؤون بها ،
ولعله بني للمفعول في قراءة الجماعة{[54788]} تعظيماً له بذهاب الفكر في المخفي كل مذهب ، أو{[54789]} للعلم بأنه{[54790]} الله تعالى الذي أخفوا نوافل أعمالهم لأجله ، وسكن حمزة الياء على {[54791]}أنه للمتكلم{[54792]} سبحانه لفتاً لأسلوب العظمة إلى أسلوب الملاطفة ، والسر مناسبته لحال الأعمال .
ولما كانت العين لا تقر فتهجع إلا عند الأمن والسرور قال : { من قرة أعين } أي من شيء نفيس سارّ تقر به أعينهم لأجل ما أقلعوها{[54793]} عن قرارها بالنوم ؛ ثم صرح بما أفهمته فاء السبب فقال : { جزاء } أي أخفاها لهم لجزائهم { بما كانوا } أي{[54794]} بما هو لهم كالجبلة { يعملون * } روى البخاري في التفسير{[54795]} عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ، قال أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم { فلا تعلم نفس }{[54796]} - الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.