تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

1

خلق الموت : أوجده ، أو قدّره أزلا .

ليبلوكم : ليختبركم فيما بين الحياة والموت .

أحسن عملا : أصوبه وأخلصه ، أو أسرع طاعة .

2- الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور .

قدّر سبحانه الموت لكل ميّت ، والحياة لكل حيّ ، وقدّم الموت على الحياة لأنه أبلغ في الرهبة والقدرة ، فهو سبحانه الذي يتوفى الأنفس حين موتها ، ويتوفى أنفس النائمين عند نومها ، وهو سبحانه واهب الحياة ، وخالق الروح في الجسم .

قال العلماء :

ليس الموت فناء وانقطاعا بالكلية عن الحياة ، وإنما هو انتقال من دار إلى دار ، ولهذا ثبت في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أحدكم إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه ، وإنه ليسمع قرع نعالهم ، يأتيه ملكان فيجلسانه ويسألانه . . . )v . الحديث .

وقال صلى الله عليه وسلم عن قتلى المشركين يوم بدر : ( والذي نفسي محمد ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّكم لا يجيبون )vi .

فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ، ومفارقتها للجسم .

ليبلوكم أيّكم أحسن عملا . . .

خلق الله آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسكنه فسيح الجنة ، وأسجد له الملائكة ، وأنزله إلى الأرض واستعمره فيها ، وأنزل الكتب وأرسل الرسل ، ومنح الإنسان العقل والإرادة والاختيار ، ليظهر التفاضل بين الناس ، ويرى سبحانه المحسن من المسيء ، ومن يستحق الثواب ومن يستحق العقاب .

فهو سبحانه عادل عدلا مطلقا ، ومن هذه العدالة إعطاء الإنسان الفرصة كاملة للحياة في هذه الدنيا ، ومعه إمكانيات الطاعة والمعصية ، فمن اختار الطاعة كان أهلا للجنة ، ومن اختار المعصية كان أهلا للنار ، فمن دخل النار فلا يلومن إلا نفسه ، لأنه هو الذي آثر الهوى واتّباع الشيطان على الاستقامة واتّباع هدى الرحمان .

قال الله تعالى : فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوى* وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى . ( النازعات : 37 -41 ) .

وهو سبحانه العزيز . الغالب في انتقامه ممن عصاه . الغفور . لمن تاب إليه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

وخلق الموت والحياة أي : قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم ؛ { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } أي : أخلصه وأصوبه ، فإن{[1173]}  الله خلق عباده ، وأخرجهم لهذه الدار ، وأخبرهم أنهم سينقلون منها ، وأمرهم ونهاهم ، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره ، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل ، أحسن الله له الجزاء في الدارين ، ومن مال مع شهوات النفس ، ونبذ أمر الله ، فله شر الجزاء .

{ وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي له العزة كلها ، التي قهر بها جميع الأشياء ، وانقادت له المخلوقات .

{ الْغَفُورُ } عن المسيئين والمقصرين والمذنبين ، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا ، فإنه يغفر ذنوبهم ، ولو بلغت عنان السماء ، ويستر عيوبهم ، ولو كانت ملء الدنيا .


[1173]:- في ب: وذلك أن.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

{ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير . الذي خلق الموت والحياة } قال عطاء ، عن ابن عباس : يريد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة . وقال قتادة : أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا ، جعل الله الدنيا دار حياة وفناء ، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء . قيل : إنما قدم الموت لأنه إلى القهر أقرب : وقيل : قدمه لأنه أقدم ، لأن الأشياء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوهما ، ثم طرأ عليها الحياة . وقال ابن عباس : خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس بلقاء أنثى ، وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها ، لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي ، وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقى على العجل فحيي . { ليبلوكم } فيما بين الحياة إلى الموت ، { أيكم أحسن عملاً } وروي عن ابن عمر مرفوعاً : " أحسن عملاً أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله ، وأسرع في طاعة الله " . وقال الفضيل بن عياض { أحسن عملاً } أخلصه وأصوبه ، وقال : العمل لا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً ، فالخالص : إذا كان لله ، والصواب : إذا كان على السنة . وقال الحسن : أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها . وقال الفراء : لم توقع البلوى على أي إلا وبينهما إضمار ، كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع . ومثله : { سلهم أيهم بذلك زعيم }( القلم- 40 ) أي : سلهم وانظر أيهم ، فأي : رفع على الابتداء وأحسن خبره ، { وهو العزيز } في انتقامه ممن عصاه ، { الغفور } لمن تاب إليه .