تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

المفردات :

الماعون : المراد بالماعون : الزكاة ، ومن معانيه : المعروف ، والماء ، وكل ما ينتفع به ، أو كل مستعار بين الجيران من فأس وقدر ودلو ونحو ذلك .

التفسير :

7- ويمنعون الماعون .

أي : يمنعون الزكاة عن أصحابها ، أو يمنعون الصدقة والمعروف .

وسئل ابن مسعود عن الماعون : فقال : هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو ، وأشباه ذلك من متاع البيت .

وقال عكرمة : رأس الماعون زكاة المال ، وأدناه المنخل والدلو والإبرة . اه .

أي أن الماعون يشمل كل معونة كبيرة أو صغيرة ، للفرد أو الجماعة ، فالمؤمن نافع لإخوانه ، مهتم بشئون المسلمين ، ولهذا جاء في الحديث : ( كل معروف صدقة ) .

ختام السورة:

( تم بحمد الله تعالى وتوفيقه تفسير سورة الماعون )

i في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب 30/680 .

ii تفسير جزء عم للإمام محمد عبده ص 124 .

iii في ظلال القرآن 30/681 .

iv المرجع السابق .

v تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري 30/1974 ، طبعة بولاق .

vi صفوة التفاسير محمد علي الصابوني 3/608 -609 .

vii تفسير جزء عم للشيخ محمد عبده مطابع الشعب 124 .

viii التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي .

ix تلك صلاة المنافق :

رواه مالك في النداء للصلاة ( 512 ) ومسلم في المساجد ( 622 ) وأبو داود في الصلاة ( 413 ) والترمذي في الصلاة ( 160 ) والنسائي في المواقيت ( 511 ) وأحمد في مسنده ( 11588 ) من حديث العلاء بن عبد الرحمان أنه دخل على أنس ابن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال : أصليتم العصر ؟ فقلنا له : إنما انصرفنا الساعة من الظهر قال : فصلوا العصر ، فقمنا فصلينا فلما انصرفنا قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ) .

وروى البخاري في المواقيت ( 549 ) مختصرا ولم يذكر فيه شاهد الحديث : ( تلك صلاة المنافق . . . ) .

x صفوة التفاسير محمد علي الصابوني 3/681 .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

{ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } أي : يمنعون إعطاء الشيء ، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية ، أو الهبة ، كالإناء ، والدلو ، والفأس ، ونحو ذلك ، مما جرت العادة ببذلها والسماحة به{[1483]} .

فهؤلاء -لشدة حرصهم- يمنعون الماعون ، فكيف بما هو أكثر منه .

وفي هذه السورة ، الحث على إكرام{[1484]}  اليتيم ، والمساكين ، والتحضيض على ذلك ، ومراعاة الصلاة ، والمحافظة عليها ، وعلى الإخلاص [ فيها و ] في جميع الأعمال .

والحث على [ فعل المعروف و ] بذل الأموال الخفيفة ، كعارية الإناء والدلو والكتاب ، ونحو ذلك ؛ لأن الله ذم من لم يفعل ذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ، والحمد لله رب العالمين .


[1483]:- في ب: ببذله والسماح به.
[1484]:- في ب: إطعام.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : { وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } يقول : ويمنعون الناس منافع ما عندهم ، وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته ، يقال للماء الذي ينزل من السحاب : ماعون...

واختلف أهل التأويل في الذي عُنِي به من معاني الماعون في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عُنِيَ به الزكاة المفروضة ...

وقال آخرون : هو ما يتعاوَرُهُ النّاس بينهم من مثل الدّلو والقِدر ونحو ذلك ...

وقال آخرون : الماعون : المعروف ...

وقال آخرون : الماعون : هو المال ...

وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل ، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم ، وأنهم يمنعونه الناس ، خبرا عاما ، من غير أن يخصّ من ذلك شيئا ، أن يقال : إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاورونه بينهم ، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق ؛ لأن كلّ ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض .

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

قوله تعالى : { ويمنعون الماعون } وصف لهم بقلة النفع لعباد الله ، وتلك َشُّر خلة...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

أي : لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم . فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القُرُبات أولى وأولى . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ ويمنعون } أي على تجدد الأوقات ، وحذف المفعول الأول تعميماً حتى يشمل كل أحد وإن جل وعظمت منزلته ولطف محله من قلوبهم ، تعريفاً بأنهم بلغوا من الرذالة دركة ليس وراءها للحسد موضع { الماعون } أي حقوق الأموال والشيء اليسير من المنافع ، مثل إعارة التافه من متاع البيت التي جرت عادة الناس أن يتعاوروه بينهم ، ويمنعون أهل الحاجة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق ، والحاصل أنه ينبغي حمل ذلك على منع ما يجب بذله ، مثل فضل الكلأ والماء والزكاة ونحوه ، ليكون موجباً للويل ...

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

{ ويمنعون الماعون } أي ما يعان به الخلق ، ويصرف في معونتهم من الأموال والأمتعة ، وكل ما ينتفع به ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ومن هنا لا تنشئ الصلاة آثارها في نفوس هؤلاء المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون . فهم يمنعون الماعون . يمنعون المعونة والبر والخير عن إخوانهم في البشرية . يمنعون الماعون عن عباد الله . ولو كانوا يقيمون الصلاة حقا لله ما منعوا العون عن عباده ، فهذا هو محك العبادة الصادقة المقبولة عند الله . .

وهكذا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام حقيقة هذه العقيدة ، وأمام طبيعة هذا الدين . ونجد نصا قرآنيا ينذر مصلين بالويل . لأنهم لم يقيموا الصلاة حقا . إنما أدوا حركات لا روح فيها . ولم يتجردوا لله فيها . إنما أدوها رياء . ولم تترك الصلاة أثرها في قلوبهم وأعمالهم فهي إذن هباء . بل هي إذن معصية تنتظر سوء الجزاء !

وننظر من وراء هذه وتلك إلى حقيقة ما يريده الله من العباد ، حين يبعث إليهم برسالاته ليؤمنوا به وليعبدوه . . .

إنه لا يريد منهم شيئا لذاته سبحانه - فهو الغني - إنما يريد صلاحهم هم أنفسهم . يريد الخير لهم . يريد طهارة قلوبهم ويريد سعادة حياتهم . يريد لهم حياة رفيعة قائمة على الشعور النظيف ، والتكافل الجميل ، والأريحية الكريمة والحب والإخاء ونظافة القلب والسلوك .

فأين تذهب البشرية بعيدا عن هذا الخير ? وهذه الرحمة ? وهذا المرتقى الجميل الرفيع الكريم ? أين تذهب لتخبط في متاهات الجاهلية المظلمة النكدة وأمامها هذا النور في مفرق الطريق ?

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والترك عن عمد استعارة تهكمية ....وليس المقصود الوعيد على السهو الحقيقي عن الصلاة لأن حكم النسيان مرفوع على هذه الأمة ، وذلك ينادي على أن وصفهم بالمصلين تهكم بهم بأنهم لا يصلون...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«الماعون » من «المَعن » وهو الشيء القليل . وكثير من المفسّرين قالوا : إنّ المقصود من «الماعون » الأشياء البسيطة التي يستعيرها أو يقتنيها النّاس ، وخاصّة الجيران من بعضهم ، مثل حفنة الملح ، والماء ، والنّار ( الثقاب ) ، والأواني وأمثالها .

واضح أنّ الذي يبخل في إعطاء مثل هذه الأشياء إلى غيره إنسان دنيء عديم الإيمان . أي إنّه بخيل إلى درجة الإباء عن إعطاء مثل هذه الأشياء . بينما يمكن لهذه الأشياء البسيطة أن تسدّ الاحتياجات الكبيرة . ومنعها يؤدي إلى بروز مشاكل كثيرة في حياة الأفراد .

وقيل : إنّ الماعون يعني الزكاة ؛ لأنّ الزكاة تشكل نسبة قليلة من أصل المال قد تبلغ عشرة بالمائة ، وأحياناً خمسة بالمائة ، وأحياناً اثنين ونصف بالمائة .

منع الزكاة طبعاً من أفظع السيئات ؛ لأنّ الزكاة تحل كثيراً من مشاكل المجتمع الاقتصادية ...

ذكر هاتين الصفتين بشكل متوال ( الرياء ومنع الماعون ) كأنه إشارة إلى أن هؤلاء المكذبين بالدين يؤدون ما للّه بنية النّاس ، وما للناس يمنعونه عنهم ، ومن هنا لا يصيب أي ذي حقّ حقّه ...

ـ تلخيص موضوعات سورة الماعون:

في هذه السّورة القصيرة ، ذكر اللّه سبحانه مجموعة من الصفات الرذيلة التي إن اتصف بها شخص فهي دليل عدم إيمانه ودناءته وحقارته . ويلاحظ أنّها جميعاً فروع لظاهرة التكذيب بيوم الدين ، أي بيوم الجزاء .

إهانة اليتامى ، وترك إطعام المساكين ، والتهاون في الصلاة ، والرياء ، وعدم التعاون مع النّاس حتى في إعارة الأشياء الصغيرة . . . تشكل بمجموعها طبيعة حياة هؤلاء المكذبين .

من هنا فهؤلاء أناس بخلاء ذاتيون أنانيون متظاهرون لا ارتباط لهم بالخالق ولا بخلقه . . . أناس خلت نفوسهم من نور الإيمان والشعور بالمسؤولية ، لا بثواب اللّه يفكرون ، ولا من عذابه يخشون .

ـ التظاهر والرياء بلاء اجتماعي كبير

قيمة كلّ عمل تتوقف على دافعه ، وبالتعبير الإسلامي : أساس كلّ عمل نية عامله .

الإسلام يركز على النية في تقويم الأعمال ...

إنّ النية هي التي تصوغ شكل العمل دائماً . من كان يعمل للّه جعل أساس عمله مستحكماً ، وسعى بكل جهده إلى أن يستفيد منه النّاس أكثر الاستفادة . لكن المتظاهر المرائي يكتفي بزخرفة الظاهر وتنميقه ، من دون أن يهتم بعمق العمل وباطنه وبحاجة المحتاجين إليه .

المجتمع الذي يتعود على الرياء لا يبتعد عن اللّه وعن الأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة فحسب ؛ بل تصبح كلّ برامجه الاجتماعية فارغة خالية المحتوى ، لا تتعدى مجموعة من المظاهر ، وإنّها لمأساة أن يكون مصير الفرد ومصير المجتمع بهذا الشكل .

ختام السورة:

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ومن منع هذه الأشياء التافهة كان جديراً بأن يمنع ورود الكوثر في يوم المحشر ، وكما التقى آخرها بأولها التقت السورة كلها مع مناظرتها في العدد من أول القرآن ، وذلك أنه قد علم أن حاصل هذه السورة الإبعاد عن سفساف الأخلاق ورديها ودنيها ، من التكذيب بالجزاء الذي هو حكمة الوجود المثمر ، للإعراض عن الوفاء بحق الخلائق وطاعة الخالق ، والانجذاب مع النقائص ، إلى الاستهانة بالضعيف الذي لا يستهين به إلا أنذل الناس وأرذلهم ، والرياء الذي لا يلم به إلا من كان في غاية الدناءة ، فكان ذلك موجباً للميل إلى أعظم الويل....

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

من تلقينات السورة الرئيسية تقريرها لكون جحود الإنسان للآخرة هو الذي يشجعه على اقتراف الآثام في الدنيا ، وعلى قسوة القلب إزاء الضعفاء واليتامى والمساكين ، إذا أمن الجزاء والمقابلة ، وفي هذا توكيد لتقريرات قرآنية سابقة ، ولحكمة الله التي جعلت للحياة الدنيا تتمة في حياة أخرى لجزاء كل امرئ بما عمل . كما أن فيه مظهرا من مظاهر حكمة التنزيل في تكرار الإنذار بالحياة الأخرى ، وجعل الإيمان بها ركنا من أركان الإسلام ، على ما شرحناه في سياق سورة الفاتحة . وتخصيص اليتيم والمسكين بالذكر لا يعني -كما هو المتبادر- أن قهر الأول وحرمان الثاني هما عنوان التكذيب بالآخرة وجزائها حصرا . فهذا أسلوب من أساليب القرآن ، وهناك آيات قرآنية كثيرة- منها مما سبق -تذكر آثاما أخرى عامة وخاصة يقترفها الإنسان نتيجة لجحوده ذلك . وقد يعني تخصيص ذلك بالذكر هنا قصد التنويه بخطورة أمر اليتيم والمسكين . وهو ما تكرر كثيرا في القرآن ، وقد سبق منه أمثلة عديدة ، وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار . وفي التنديد بالمصلين اللاهية قلوبهم عن صلاتهم تنبيه لوجوب تذكر المصلي الله ، وإفراغ قلبه له حينما يقف أمامه متعبدا ، وتقرير ضمني بأنه بذلك فقط يتأثر بصلاته تأثرا يبعث فيه السكينة والطمأنينة ، ويرتفع به إلى أفق الروحانية العلوية كما هو مجرب عند كل من يفعل ذلك حقا . ويوقظ فيه الضمير ، فيبتعد عن الفحشاء والمنكر ، ويندفع نحو الخير والصلاح . وكل هذا من مقاصد الصلاة بالإضافة إلى كونها واجب العبادة ومظهر الخضوع لله ، على ما شرحناه في سياق سورة العلق . أما اللاهون فلا يتأثرون ذلك التأثير الباعث الموقظ الوازع الدافع ، فتكون صلاتهم عملا آليا لا روح فيها ولا حياة ، ويكون القصد منها الرياء والخداع ، ولا تكون بعد مقبولة عند الله . وجملة { يراؤون } [ 6 ] جاءت مطلقة لتنعي الرياء على الإنسان إطلاقا ، سواء أكان يرائي في صلاته أم في أي موقف وعمل آخر . وتتضمن بناء على ذلك تنديدا بخطورة خلق الرياء وبشاعته ؛ حيث يكون المتخلق به أمام الله مخادعا ، وأمام الناس كاذبا مضللا ساخرا ، وتنبيها إلى ما في انتشار هذا الخلق في مجتمع من المجتمعات من الشر العام . ولقد تكرر النعي القرآني على هذا الخلق والنهي عنه كما جاء في سورة البقرة هذه : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رثاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين }....

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

ولما كان من كان بهذه الصفة ربما فعل قليل الخير دون جليله رياء ، بين أنهم غلب عليهم الشح حتى أنهم مع كثرة الرياء منهم لم يقدروا على أن يراؤوا بهذا الشيء التافه ، فانسلخوا من جميع خلال المكارم ، فقال إبلاغاً في ذمهم ، إشعاراً بأن أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله : { ويمنعون } أي على تجدد الأوقات ، وحذف المفعول الأول تعميماً حتى يشمل كل أحد وإن جل وعظمت منزلته ولطف محله من قلوبهم ، تعريفاً بأنهم بلغوا من الرذالة دركة ليس وراءها للحسد موضع { الماعون } أي حقوق الأموال والشيء اليسير من المنافع ، مثل إعارة التافه من متاع البيت التي جرت عادة الناس أن يتعاوروه بينهم ، ويمنعون أهل الحاجة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق ، والحاصل أنه ينبغي حمل ذلك على منع ما يجب بذله ، مثل فضل الكلأ والماء والزكاة ونحوه ، ليكون موجباً للويل ، وعلى الزكاة حمله علي وابن عمر -رضي الله عنهما- والحسن وقتادة ، قال العلماء : هو مأخوذ من المعن ، وهو في اللغة الشيء اليسير ، ولذلك فسره بعضهم بالماء ، وبعضهم بما يعار من المتاع ، نحو القدر والفأس والدلو ، وبعضهم بالزكاة ؛ لأنه لا يؤخذ من المال على وجه الزكاة إلا شيء يسير جداً بالنسبة إليه ، وقيل : هو كل عطية أو منفعة ، وقال قطرب : هو فاعول من المعن ، والمعن : المعروف ، وقال أبو عبيدة : الماعون في الجاهلية العطاء والمنفعة ، وفي الإسلام الزكاة . وقال الهروي : قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو العارية ، ذكر هذا الأستاذ عبد الحق الإشبيلي في كتابه الواعي ، وقال ابن جرير : وأصل الماعون من كل شيء منفعته . فدل ذلك على أنهم بلغوا نهاية التكذيب باستهانتهم بأعظم دعائم الدين ، واستعظامهم لأدنى أمور الدنيا ، وهذا الآخر كما ترى هو الأول ؛ لأن الذي جر إليه هو التكذيب ، ومن منع هذه الأشياء التافهة كان جديراً بأن يمنع ورود الكوثر في يوم المحشر .

ختام السورة:

وكما التقى آخرها بأولها التقت السورة كلها مع مناظرتها في العدد من أول القرآن ، وذلك أنه قد علم أن حاصل هذه السورة الإبعاد عن سفساف الأخلاق ورديها ودنيها ، من التكذيب بالجزاء الذي هو حكمة الوجود المثمر ، للإعراض عن الوفاء بحق الخلائق وطاعة الخالق ، والانجذاب مع النقائص ، إلى الاستهانة بالضعيف الذي لا يستهين به إلا أنذل الناس وأرذلهم ، والرياء الذي لا يلم به إلا من كان في غاية الدناءة ، فكان ذلك موجباً للميل إلى أعظم الويل ، وفي ذلك أعظم مرغب في معالي الأخلاق التي هي أضداد ما ذكر في السورة ، وكلا الأمرين موجود في الأنفال ، المناظرة لها في رد المقطع على المطلع على أتم وجه ، ليكون ذلك إشارة إلى أنها شارحة لهذا ، ففيه الإيماء إلى ملاحظتها عند قراءتها ، انظر إلى قوله تعالى :

{ الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً }[ الأنفال : 4 ] الآية

{ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك }[ الأنفال : 32 ] الآية

{ وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مكاء وتصدية }[ الأنفال :35 ]

{ والذين كفروا إلى جهنم يحشرون }[ الأنفال : 36 ] الآية

{ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل }[ الأنفال : 41 ] الآية

{ ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورياء الناس } الآية

ولقد انطبقت السورة بمعانيها وتراكيبها العظيمة ونظومها ومبانيها على الأراذل الأدنياء الأسافل ، وأحاطت برؤوسهم بعد كلماتها مفردة قبل حروفها ، وأدارت عليهم كؤوس حتوفها من نوافذ الرماح بأيدي جنودها ومواضي سيوفها ، وذلك أن عدة كلماتها خمس وعشرون كلمة ، فإذا اعتبرتها من أول سني النبوة وازت السنة الثانية عشرة من الهجرة ، وذلك أواخر خلافة الصديق رضي الله عنه ، وفيها لم يبق على يده أحد من المصلين الذين ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أو منعوا الزكاة ، فتبين أنهم ما كانوا يصلون في حياته صلى الله عليه وسلم ويزكون إلا رياء الناس فعل الأدنياء الأنجاس حتى حل بهم الويل بأيدي جنود الصديق الذين جاؤوهم بالرجل والخيل فمزقوهم عن آخرهم ، ولم تمض تلك السنة إلا وقد فرغ منهم بالفراغ من بني حنيفة باليمامة وأطراف بلاد اليمن من أهل النجير ببلاد كندة ، والأسود العنسي من صنعاء ، وما مضت سنة ست عشرة الموازية لعدد الكلمات بالبسملة - وذلك في أوائل خلافة الفاروق - حتى زالوا من جميع جزيرة العرب ، وهم مشركو العرب ومتنصروهم ومتمجسوهم الذين كانوا بنواحي العراق والشام والبحرين فأسلم أكثرهم ، وذهب الباقون إلى بلاد الروم ، فحل الويل بالمرائين من أهل الصلاة ، فإنهم الذين أتى إليهم نبيهم صلى الله عليه وسلم بالصلاة فأعرضوا عنها ، والناس لهم تبع ، ولم يصح في هذه السورة اعتبار الضمائر ؛ لأن الدين في هذا الحد كان قد ظهر على كل ظاهر ، إلى حد لا إضمار فيه بوجه ، ولا عائق له ولا ساتر ، وكما أنه لا حاجة إلى الرمز بالضمائر ، لما دقت له في الخافقين من البشائر ، على رؤوس المنابر والمنائر ، فكذلك لم يناسب بعد الوصول إلى هذا الحال المكشوف ، للإيماء بالدلالة بإعداد الحروف . والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .