تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا} (22)

{ ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما }

المفردات :

صدق الله : ظهر صدق خبر الله .

وتسليما : وانقيادا لأوامره وطاعة لرسوله .

التفسير :

لما شاهد المؤمنون الأحزاب مع كثرتهم وقوتهم وتعدد جموعهم قابلوا ذلك بالثبات ورباطة الجأش وقالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله حيث بين القرآن أن ثمة الجنة هو الثبات في المحنة ، والصبر على البأساء وبين الرسول الأمين أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه وقيل : إن الآية من دلائل النبوة حيث أخبر النبي المؤمنين بقدوم الأحزاب وأنهم جمع كبير وسيصلون بعد تسع ليال أو عشر ليال من أول الشهر فلما وصلت الجموع في الميعاد ازداد يقين المؤمنين واستعدوا للحرب ولقاء الأحزاب في صدق ويقين ولم تزدهم مشاهدة الأحزاب إلا إيمانا بالله وتصديقا بشريعته وتسليما لأوامره وانقيادا وطاعة لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .

قال تعالى : أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون . ( العنكبوت : 2 ) .

وقال سبحانه : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب . ( البقرة : 214 ) .

من تفسير القرطبي :

ومعنى الآية : وما زادتهم الرؤية للأحزاب إلا إيمانا وتسليما للقضاء ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي وتوقع ما وعده الله من النصر وقال : " من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة فلم يجبه أحد وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد فنظر إلى جانبه وقال : " من هذا ؟ " فقال حذيفة : " ألم تسمع كلامي منذ الليلة " ؟ قال حذيفة فقلت يا رسول الله منعني أن أجيبك الضر والقر قال : " انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني " فانطلق حذيفة بسلاحه ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يقول " يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " فنزل جبريل وقال : إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك ، فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وبسط يديه وأرخى عينيه وهو يقول : " شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي " وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليهم ريحا فبشر أصحابه بذلك قال حذيفة فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها ولا بناء إلا طرحته وجعلوا يتترسون من الحصباء وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش النجاء النجاء وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس وتفرقت الأحزاب وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد على المدينة وبه من الشعث ما شاء الله فجاءته فاطمة بغسول فكانت تغسل رأسه فأتاه جبريل فقال : وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء مازلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء ثم قال : انهض إلى بني قريظة ، وقال أبو سفيان مازلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء . 24

***

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا} (22)

لما ذكر حالة المنافقين عند الخوف ، ذكر حال المؤمنين فقال : { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ } الذين تحزبوا ، ونزلوا منازلهم ، وانتهى الخوف ، { قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ } في قوله : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }

{ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } فإنا رأينا ، ما أخبرنا به { وَمَا زَادَهُمْ } ذلك الأمر { إِلَّا إِيمَانًا } في قلوبهم { وَتَسْلِيمًا } في جوارحهم ، وانقيادًا لأمر اللّه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا} (22)

قوله تعالى : " ولما رأى المؤمنون الأحزاب " ومن العرب من يقول : " راء " على القلب . " قالوا هذا ما وعدنا الله " يريد قوله تعالى في سورة البقرة : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم " {[12781]} [ البقرة : 214 ] الآية . فلما رأوا الأحزاب يوم الخندق فقالوا : " هذا ما وعدنا الله ورسوله " ، قاله قتادة . وقول ثان رواه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذكرت الأحزاب فقال : ( أخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها - يعني على قصور الحيرة ومدائن كسرى - فأبشروا بالنصر فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله ، موعد صادق ، إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر . فطلعت الأحزاب فقال المؤمنون : " هذا ما وعدنا الله ورسوله " . ذكره الماوردي . و " ما وعدنا " إن جعلت " ما " بمعنى الذي فالهاء محذوفة . وإن جعلتها مصدرا لم تحتج إلى عائد " وما زادهم إلا إيمانا وتسليما " قال الفراء : وما زادهم النظر إلى الأحزاب . وقال علي بن سليمان : " رأى " يدل على الرؤية ، وتأنيث الرؤية غير حقيقي ، والمعنى : ما زادهم الرؤية إلا إيمانا بالرب وتسليما ، قاله الحسن . ولو قال : ما زادوهم لجاز . ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق ، قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي ، وتوقع ما وعده الله من النصر وقال : ( من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة ) فلم يجبه أحد . وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد ، فنظر إلى جانبه وقال : ( من هذا ) ؟ فقال حذيفة . فقال : ( ألم تسمع كلامي منذ الليلة ) ؟ قال حذيفة : فقلت يا رسول الله ، منعني أن أجيبك الضُّر والقُرُّ . قال : ( انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم . اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي ، انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني ) . فانطلق حذيفة بسلاحه ، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يقول : ( يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي ) فنزل جبريل وقال : ( إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك ) فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وبسط يديه وأرخى عينيه وهو يقول : ( شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي ) . وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليهم ريحا ، فبشر أصحابه بذلك قال حذيفة : فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد ، فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها ولا بناء إلا طرحته ، وجعلوا يتترسون من الحصباء . وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش : النجاء النجاء ! وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس . وتفرقت الأحزاب ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد إلى المدينة وبه من الشعث ما شاء الله ، فجاءته فاطمة بغسول فكانت تغسل رأسه ، فأتاه جبريل فقال : ( وضعت السلاح ولم تضعه أهل السماء ، ما زلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء - ثم قال - انهض إلى بني قريظة ) . وقال أبو - سفيان : ما زلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء .


[12781]:راجع ج 3 ص 33.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا} (22)

ولما أخبر عما حصل في هذه الوقعة{[55349]} من الشدائد الناشئة عن الرعب لعامة الناس ، وخص من بينهم المنافقين بما ختمه بالملامة في ترك التآسي بمن{[55350]} أعطاء الله قيادهم ، وأعلاه عليهم في الثبات والذكر ، وختم هذا الختم بما يثمر الرسوخ في الدين ، ذكر حال الراسخين في أوصاف الكمال المتأسين بالداعي ، المقتفين للهادي ، فقال عاطفاً على { هنالك ابتلي المؤمنون } : { ولما رأى المؤمنون } أي الكاملون في الإيمان { الأحزاب{[55351]} } الذين{[55352]} أدهشت رؤيتهم القلوب{[55353]} { قالوا } أي مع ما حصل لهم من الزلزال وتعاظم الأحوال : { هذا } أي الذي نراه من الهول { ما وعدنا } من تصديق دعوانا الإيمان بالبلاء والامتحان{[55354]} { الله } الذي له الأمر كله { ورسوله } المبلغ عنه في نحو{[55355]} قوله : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين {[55356]}خلوا من قبلكم }[ البقرة : 214 ] { أحسب الناس أن يتركوا }[ العنكبوت : 2 ] { أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين{[55357]} جاهدوا منكم }[ التوبة : 16 ] وأمثال ذلك ، فسموا المس بالبأساء{[55358]} والضراء ، والابتلاء بالزلزال والأعداء ، وعداً{[55359]} لعلمهم بما لهم عليه عند الله ، ولا سيما في يوم الجزاء ، وما يعقبه من النصر ، عند اشتداد الأمر .

ولما كان هذا معناه التصديق ، أزالوا عنه احتمال أن يكون أمراً اتفاقياً ، وصرحوا به على وجه يفهم الدعاء بالنصر الموعود به في قولهم عطفاً على هذا : { وصدق } مطلقاً لا بالنسبة إلى مفعول معين{[55360]} { الله } الذي له صفات الكمال { ورسوله } الذي كماله من كماله ، أي ظهر صدقهما في عالم الشهادة في كل ما وعدا به من السراء والضراء مما رأيناه . وهما صادقان فيما غاب عنا مما وعدا به من نصر وغيره ، وإظهار الاسمين للتعظيم والتيمن بذكرهما .

ولما كان هذا قولاً يمكن أن يكون لسانياً{[55361]} فقط كقول المنافقين ، أكده لظن المنافقين ذلك ، فقال سبحانه شاهداً لهم : { وما زادهم } أي ما رأوه من أمرهم المرعب{[55362]} { إلا إيماناً } أي بالله ورسوله بقلوبهم ، وأبلغ سبحانه{[55363]} في وصفهم بالإسلام ، فعبر بصيغة التفعيل فقال : { وتسليماً } {[55364]}أي لهما بجميع جوارحهم{[55365]} في جميع القضاء والقدر ، وقد تقدم في قوله تعالى في سورة الفرقان{ ويجعل لك قصوراً }{[55366]}[ الفرقان : 10 ] ما هو من شرح هذا .


[55349]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الواقعة.
[55350]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بما.
[55351]:زيد في الأصل: ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[55352]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الذي.
[55353]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: العقول.
[55354]:زيد من ظ ومد.
[55355]:زيد من ظ وم ومد.
[55356]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55357]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55358]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالسراء.
[55359]:زيد من ظ وم ومد.
[55360]:زيد من ظ ومد.
[55361]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لسانا.
[55362]:في ظ ومد: المرغب.
[55363]:زيد في ظ: شاهدا.
[55364]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55365]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55366]:آية 10.