اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا} (22)

ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال : { وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب } لما بين حال المنافقين ذكر حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب وهو أنهم لما رأوا الأحزاب قالوا تسليماً لأمر الله وتصديقاً بوعده وهو قولهم : { هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ } ، وقولهم { وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ } ليس بإشارة إلى{[43343]} ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق الله قبل الوقوع وإنما هو إشارة إلى بشارة وهو أنهم قالوا : { هذا مَا وَعَدَنَا الله } وقد وقع صدق الله في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } ( عند وجوده{[43344]} ووعد الله إياهم ما ذكر في سورة البقرة : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجنة } إلى قوله : { ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ } فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء فلما ) ( رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا{[43345]} : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ) أي تصديقاً لله وتسليماً له .

قوله : { وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ } من تكرير الظاهر تعظيماً لقوله :

4078 - لاَ أَرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيءٌ *** . . . . . . . . . {[43346]}

ولأنه لو أعادهما مضمرين لجمع بين اسم الباري تعالى واسم رسوله في لفظة واحدة فكان يقال : «وصدقا » ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد كره ذلك ورد على من قال حيث قال : مَنْ يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فقال له بئس خطيبُ القوم أنتَ قل : ومن يعص الله ورسوله قصداً إلى تعظيم{[43347]} الله . وقيل إنما رد عليه لأنه وقف على «يَعْصِهِمَا » وعلى الأولى استشكل بعضهم قوله : «حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُما »{[43348]} فقد جمع بينهما في ضمير واحد وأجيب : بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرف بقدر الله منا فليس لنا أن نقول كما يقول .

قوله : «وَمَا زَادهم » فاعل «زادهم » ضمير الوعد أي وما زادهم وعد الله أو الصدق .

وقال مكي ضمير{[43349]} النظر لأن قوله «لما رأى » بمعنى لما نظر . وقال أيضاً : وقيل ضمير الرؤية{[43350]} ، وإنما ذكر لأن تأنيثها{[43351]} غير حقيقي ولم يذكر غيرهما ، وهذا عجيب منه حيث حجَّروا واسعاً{[43352]} مع الغنية عنه . وقرأ ابن أبي عبلة «وما زادوهم » بضمير الجمع{[43353]} ، ويعود للأحزاب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرهم أن الأحزاب يأتيهم بعد عشر أو تسع .


[43343]:ذكره الفخر الرازي في تفسيره 25/203.
[43344]:ما بين القوسين كله ساقط من "ب".
[43345]:ما بين القوسين كله ساقط من "ب".
[43346]:هو من الخفيف وهو لعدي بن زيد، وعجزه: ......................... *** نغص الموت ذا الغنى والفقيرا. وشاهده: تكرير كلمة الموت تأكيداً واهتماماً به أو نقول وضع الظاهر موضع المضمر فكان من الإمكان القول "لا أرى الموت يسبقه شيء" وهنا هو المألوف عادة ولكنه خرج هنا عنها لغرض بلاغي وهو الاهتمام بالأمر وتأكيده، وقد عدوه من الضرورات الشعرية. وقد تقدم.
[43347]:صحيح البخاري 1/7 و 4/39.
[43348]:مشكل الإعراب 2/195.
[43349]:السابق.
[43350]:في "ب" لأن باعثهما وانظر: البيان 2/267 ومعاني الفراء 2/340.
[43351]:يريد أن هذين الوجهين مشهوران عن غيره وقد نسبهما أي مكي لنفسه وفي الحديث: "لقد تحَجَّرْتَ واسعاً" أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به.
[43352]:ذكرهما أبو حيان في البحر المحيط 7/223.
[43353]:قاله السمين في الدر 4/378.