السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا} (22)

ولما بين تعالى حال المنافقين ذكر حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب بقوله تعالى :

{ ولما رأى المؤمنون } أي : الكاملون في الإيمان { الأحزاب } أي : الذين أدهشت رؤيتهم القلوب { قالوا } أي : مع ما حصل لهم من الزلزال وتعاظم الأهوال { هذا } أي : الذي نراه من الهول { ما وعدنا الله } أي : الذي له الأمر كله من تصديق دعوانا الإيمان بالبلاء والامتحان { ورسوله } المبلغ بنحو قوله تعالى : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم } ( البقرة : 214 ) { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم } ( آل عمران : 142 ) { أحسب الناس أن يُتركوا } ( العنكبوت : 2 ) وأمثال ذلك . ثم قالوا في مقابلة قول المنافقين : ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً { وصدق الله } أي : الذي له صفات الكمال { ورسوله } أي : الذي كماله من كماله أي : ظهر صدقهما في عالم الشهادة في كل ما وعدا به من السراء والضراء كما رأينا ، وهما صادقان فيما غاب عنا مما وعدا به من نصر وغيره ، وإظهار الاسمين للتعظيم والتيمن بذكرهما . قال بعض المفسرين : ولو أعيدا مضمرين لجمع بين الباري تعالى واسم رسوله صلى الله عليه وسلم فكان يقال : وصدقا ، وقد رد صلى الله عليه وسلم على من جمعهما بقوله : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى ، وأنكر عليه بقوله : بئس خطيب القوم أنت . قل : ومن يعص الله ورسوله قصداً إلى تعظيم الله تعالى . وقيل : إنما رد عليه لأنه وقف على يعصهما ، واستشكل بعضهم الأول بقوله : «حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما » فقد جمع بينهما في ضمير واحد ؟ وأجيب : بأنه صلى الله عليه وسلم أعرف بقدر الله تعالى منا فليس لنا أن نقول كما يقول وقد يقال : إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك فالله جل وعلا أولى ، وحينئذ فالقائل بأنه إنما رد عليه لأنه وقف على يعصهما أولى .

ولما كان هذا قولاً يمكن أن يكون لسانياً فقط كقول المنافقين أكده لظن المنافقين ذلك بقوله تعالى : شاهداً لهم { وما زادهم } أي : ما رأوه من أمرهم أو الرعب { إلا إيماناً } بالله ورسوله { وتسليماً } بجميع جوارحهم في جميع القضاء والقدر .