تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

المفردات :

فلما سمعت بمكرهن : أي : باغتيابهن ، وإنما سماه : مكرا ؛ لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره .

وأعتدت لهن متكئا : أي : أعدت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد ، يقال : أعتد الشيء ، أي : أعده ، وهو من العتاد ، أي : الأداة .

وآتت : وأعطت .

أكبرنه : عظمنه ، وهبن حسنه ، من أكبر الشيء أي : رآه كبيرا .

و قطعن أيديهن : أي : جرحن أيديهن من فرط الدهش .

حاش لله : تنزيها له عن صفات العجز والنقص ، والمراد : التعجب من حسن يوسف .

إن هذا إلا ملك : أي : ما هذا إلا ملك .

التفسير :

31 { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وأعدت لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا . . . } الآية .

تفيد هذه الآية : قدرة امرأة العزيز على مقابلة كيد النسوة ، وحديثهن عنها ، وتجريحهن لها ، وانتقاصهن لضلالها ، وفتنتها بغلام مملوك لها قابلت كل ذلك بمكر مثله ، وأبرع منه ؛ فقد عملت وليمة ودعت إليها نساء الطبقة الراقية ، قيل : إنها دعت أربعين امرأة . منهن خمس من المتكلمات عليها : ( امرأة الساقي ، وامرأة الخباز ، وامرأة الحاجب ، وامرأة صاحب الدواب ، و امرأة صاحب السجن ) ، وأعدت حشايا وأرائك مريحة يجلسن فيها ويسترخين ، وصنعت لهن طعاما فيه اللحوم والفاكهة ، وغير ذلك مما يحتاج إلى سكين ؛ للتقطيع أو التقشير ، ووزعت على كل امرأة سكينا لتقطيع الطعام .

{ وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } .

أمرت زليخا يوسف أن يخرج على النسوة وهو لا يدري بما دبرته و بيّتته ، فلما شاهدنه ؛ بهرهن جماله ، وحسنه الرائق الفائق ، وعظمنه وتهيبن حسنه الرائع ، وجرحن أيديهن بما معهن من السكاكين ؛ لفرط دهشتهن ، وخروج الأمر عن إرادتهن ، حتى لم يشعرن بما فعلن .

{ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } .

أي : قالت النسوة ؛ تنزيها لله تعالى عن العجز عن خلق هذا الجمال المثالي : { حاش لله } . أي : تنزه الله عن صفات العجز ، وتعالت عظمته في قدرته على خلق مثله . والمقصود : التعجب والتعبير عن الدهشة ، والإعجاب بهذا الجمال الباهر ، وبصنع الله القادر .

{ ما هذا بشرا } . أي : ما هذا الذي نراه بشرا ؛ فما مثله في الناس أحدا .

{ إن هذا إلا ملك كريم } . أي : ما هذا إلا ملك من الملائكة ؛ فإن هذا الجمال الباهر ، والحسن الرائع ، مما لا يكاد يوجد بين البشر ، يردن وصفه بأقصى مراتب الحسن ، والجمال والكمال .

وهكذا جرت العادة في تشبيه كل متناه في الحسن بالملك ، كما جرت في تشبيه كل متناه في القبح بالشيطان .