تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأۡمَنُوكُمۡ وَيَأۡمَنُواْ قَوۡمَهُمۡ كُلَّ مَا رُدُّوٓاْ إِلَى ٱلۡفِتۡنَةِ أُرۡكِسُواْ فِيهَاۚ فَإِن لَّمۡ يَعۡتَزِلُوكُمۡ وَيُلۡقُوٓاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡۚ وَأُوْلَـٰٓئِكُمۡ جَعَلۡنَا لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا} (91)

المفردات :

أركسوا : انقلبوا .

ثقفتموهم : وجدتموهم .

سلطانا مبينا : حجة ظاهرة .

التفسير :

91- سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ . . . ينبه الله- سبحانه- المسلمين في هذه الآية الكريمة إلى طائفة أخرى من المنافقين يلقون المسلمين بوجه ، ويلقون كفار قومهم بوحه آخر . . . يقصدون بذلك أن يظفروا بالأمن من الجانبين ، و هذا الفريق من المنافقين لا يترك قتال المسلمين تحرجا ، ولكن يتركه مراوغة لتحقيق مآربه .

سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ . .

قال ابن جرير الطبري : وهؤلاء فريق آخر من المنافقين كانوا يظهرون الإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ ليأمنوا به عندهم من القتل والسباء ، وأخذ الأموال ، وهم كفار ، يعلم ذلك منهم قومهم ، إذا لقوهم كانوا معهم ، وعبدوا ما يعبدونه من دون الله ، ليأمنوهم على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم يقول الله :

كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا . . . يعني : كلما دعاهم قومهم إلى الشرك بالله ، ارتدوا فصاروا مشركين مثلهم {[45]}

كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا . .

أركسوا فيها . . . أي : انهمكوا فيها والفتنة هنا بمعنى الشرك ، حكى ابن جرير عن مجاهد : أنها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان ، ويعودون إلى عبادة الأصنام ، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا ؛ فأمر يقتلهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا{[46]} .

فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ . . . أي : فإن لم يجتنب هؤلاء قتالكم ، ويطلبوا الصلح معكم ، ويمدوا يد السلام والأمن إليكم ، ويكفوا شرهم وأذاهم عنكم ، ويقفوا موقف الحياد ويعلنوه- فخذوهم بالقوة أسرى لديكم ، واقتلوهم في أي مكان تدركونهم وتظفرون بهم عنده ، ( فإن دماءهم لكم حينئذ حلال ) {[47]} .

أولائكم جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا . . . والسلطان المبين . أي : هؤلاء المنافقون : قد جعل الله لكم الحجة الواضحة على جواز أخذهم وقتلهم ، بسبب ظهور عدوانهم لكم ، وانكشاف حالهم في الكفر والغدر بكم ، والخيانة والكيد لكم .


[45]:تفسير الطبري تحقيق محمود محمد شاكر الطبعة الثانية دار المعارف بمصر 9/26.
[46]:)) تفسير الطبري تحقيق محمود شاكر 9/27 وفيه أيضا والفتنة في كلام العرب: الاختبار. والإركاس: الرجوع: فتأويل الكلام: كلما ردوا إلى الاختبار؛ ليرجعوا إلى االكفر والشرك؛ رجعوا إليه. تفسير الطبري 9/28.
[47]:الطبري 9/29.