الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأۡمَنُوكُمۡ وَيَأۡمَنُواْ قَوۡمَهُمۡ كُلَّ مَا رُدُّوٓاْ إِلَى ٱلۡفِتۡنَةِ أُرۡكِسُواْ فِيهَاۚ فَإِن لَّمۡ يَعۡتَزِلُوكُمۡ وَيُلۡقُوٓاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡۚ وَأُوْلَـٰٓئِكُمۡ جَعَلۡنَا لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا} (91)

قوله تعالى : { سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ }[ النساء :91 ] . لما وصَفَ اللَّه سبحانه المحقِّقين في المتَارَكَة وإلقاءِ السَّلَم ، نَبَّهَ على طائفةٍ مخادِعَةٍ ، كانوا يريدُونَ الإقامَةَ في مَوَاضِعِهِمْ مع أهليهم ، يقُولُونَ لهم : نَحْنُ معكم وعلى دينَكُمْ ، ويقولُونَ أيضاً للمسلمين : نَحْنُ معَكُمْ ، وعلى دينكم ، خَبْثَةً منهم ، وخَديعَةً ، وقوله : { إِلَى الفتنة } معناه : إلى الاِختبارِ ، حُكِيَ أنهم كانُوا يَرْجِعُون إلى قومهم ، فيقالُ لأحدِهِمْ : قال : رَبِّيَ الخُنْفُسَاءُ ، رَبِّيَ العودُ ، رَبِّيَ العَقْرَبُ ، ونحوه ، فيقولُهَا ، ومعنى { أُرْكِسُواْ } : أيْ : رَجَعوا رَجْعَ ضلالةٍ ، أي : أُهْلِكُوا في الاختبار بما واقَعُوهُ من الكُفْر ، وهذه الآيةُ حَضٌّ على قتل هؤلاءِ المُخَادِعِينَ ، إذا لم يَرْجِعُوا عَنْ حالهم ، و{ ثَقِفْتُمُوهُمْ } مأخوذٌ من الثِّقَافِ ، أي : ظَفرتُمْ بهم ، مَغْلوبينَ متمكَّناً منْهم ، والسُّلطانُ : الحُجَّة ، قال عكرمةُ : حيثما وقع السلطانُ في كتابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، فهو الحُجَّة .