اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأۡمَنُوكُمۡ وَيَأۡمَنُواْ قَوۡمَهُمۡ كُلَّ مَا رُدُّوٓاْ إِلَى ٱلۡفِتۡنَةِ أُرۡكِسُواْ فِيهَاۚ فَإِن لَّمۡ يَعۡتَزِلُوكُمۡ وَيُلۡقُوٓاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡۚ وَأُوْلَـٰٓئِكُمۡ جَعَلۡنَا لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا} (91)

{ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ [ وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ ]{[9191]} فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

السِّين في " ستجدون " للاسْتِقْبَال على أصلها ، قالوا : ولَيْسَت{[9192]} هنا للاسْتِقْبَال ، بل للدَّلالة على الاسْتِمْرَار ، وليس بِظَاهِرٍ .

قال الكَلْبِي عن أبي صَالحٍِ ، عن ابن عبَّاسٍ : هم أسَد وغطَفَان{[9193]} كانوا حَاضِرِي المَدِينَة ، تَكَلَّموا بالإسْلام رياءً ، وهم غير مُسْلِمِين ، فكان الرَّجُل مِنْهُم يقول له قَوْمُه : بماذا أسْلمت ؟ فيقول : آمَنْتُ بربِّ القِرْدِ ، وبرب العَقْرب والخُنْفُسَاء ، وإذا لقوا أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا : إنَّا على دينِكُم ، يريدون بذلك الأمْن في الفَرِيقَيْن ، وقال الضَّحَّاك عن ابن عبَّاس : هم بَنُو عَبْد الدَّار ، كانوا بهذه الصِّفَةِ .

{ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ } فلا تتعرَّضُوا لَهُم ، { وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } فلا يتعرَّضُوا لَهُم ، { كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنِةِ } دعوا إلى الشِّرْك ، { أُرْكِسُواْ فِيِهَا } أي : رجَعُوا وعادوا إلى الشِّرْك .

وقرأ عبد الله{[9194]} : " ركسوا فيها " ثلاثيَّا مُخَفَّفاً ، ونقل ابْنُ جنيٍّ عنه : " ركَّسوا " بالتَّشْديد . وقرأ ابن وثابِ والأعْمِشُ{[9195]} : " رِدوا " بِكَسْر الرَّاء ؛ لأن الأصْل : " رددوا " فأدْغِم ، وقلبت{[9196]} الكَسْرة على الرَّاء{[9197]} . وقوله : " إلى الفتنة " إلى الكُفْر .

{ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ } أي : فإن لَمْ يكفُّوا عن قِتَالِكُم حَتَّى تسيروا إلى مَكَّة : { وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ } أي : المفاداة والصُّلْح ، " ويكفوا أيديهم " ولم يقبضوا أيديهُم من قتالكم ، " فخذوهم " ، أسرى { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ } أي : وجدتموهم ، " وأولئكم " أي : أهل هذه الصِّفة { جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } أي : حُجَّة بيِّنة ظاهرة بالقَتلِْ والقِتَال ، وهذه الآيَة تَدُلُّ على أنَّهم إذا اعْتزلُوا قِتَالنا وطَلَبُوا الصُّلحِ مِنَّا ، وكفوا أيْديهُم عن إيذائِنا ، لم يَجُزْ لنا قِتَالهم ، ونَظِيرُه قوله تعالى : { لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ } [ الممتحنة : 8 ] ، وقوله : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } [ البقرة : 190 ] .


[9191]:سقط في ب.
[9192]:في أ: وليت.
[9193]:ذكره الفخر الرازي في "التفسير الكبير" (10/179) عن ابن عباس.
[9194]:تقدمت.
[9195]:ينظر: البحر المحيط 3/332.
[9196]:في أ: ونقلت.
[9197]:في أ: الياء.