تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانٖ} (12)

المفردات :

الرعب : الخوف والفزع :

كل بنان : أي : كل طرف من أطراف الأصابع من اليدين والرجلين ، وقيل : كل أصبع من الأصابع ، وتطلق البنان أيضا : على كل طرف من أطراف الإنسان كاليد والرجل .

التفسير :

12 – { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب . . . } الآية .

في هذه الآية تذكير الله تعالى المؤمنين بنعمة أخرى ، هي نعمة الإمداد بالملائكة ، تنزل إلى المعركة في صفوف المسلمين فتكثر سواد المسلمين ، ويصبح الجيش في مظهره قوة عظيمة ، تلقى الثبات والثقة واليقين بالنصر في قلوب المؤمنين ، وفي نفس الوقت فإن الملاك يقوم بإلقاء الخير والإلهام والثبات واليقين في قلب المؤمن .

وقد تكفل الله تعالى بإلقاء الرعب والخوف في نفوس المشركين ، ووجه الحق سبحانه المسلمين بأن يضربوا المشركين ، فوق الرقاب أي : في أعلى الرقبة ، مكان الذبح ، أو على الأطراف والأصابع وبذلك تتعطل أيديهم عن القتال .

قال والآلوسي في تفسير الآية :

والمراد بالتثبيت : الحمل على الثبات في موطن الحرب ، والجد في مقاساة شدائد القتال ، كان الملاك يأتي المؤمن في صورة رجل يعرفه ويقول له : أبشر ؛ فالله سينصر المؤمنين ، فقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة : أن الملك كان يأتي في صورة الرجل يعرفه ، فيقول له : أبشروا فإنهم ليسوا بشيء ، والله معكم ، كروا عليهم .

وقال الزجاج : كان بأشياء يلقونها في قلوبهم تصح بها عزائمهم ، ويتأكد جدهم ، وللملك قوة إلقاء الخير في القلب ، ويقال له : إلهام ، كما أن للشيطان قوة إلقاء الشر ويقال له : وسوسة . xviii

{ سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب } .

أي : سألقي بالخوف والجزع والهلع في نفوس المشركين ، فلا يستطيعون الثبات في القتال ، والرعب انزعاج النفس ، وخوفها من توقع مكروه .

{ فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } . الخطاب في هذه الفقرة للمؤمنين وقيل : للملائكة .

قال الزمخشري : والمراد بما فوق الأعناق : أعالي الأعناق التي هي المذابح ؛ لأنها مفاصل ، فكان إيقاع الضرب فيها جزا وتطييرا للرءوس ، والمراد بالبنان : الأصابع أو مطلق الأطراف ، كالأيدي والأرجل فكل ذلك يطلق عليه بنان ، حقيقة أو مجازا .

فكأنه تعالى يقول للمؤمنين : سألقي في قلوب الذين كفروا الفزع والخوف منكم ؛ لتتمكنوا من إصابتهم ، فاضربوهم فوق الأعناق ، أي : في رءوسهم ورقابهم ، واضربوا منهم كل بنان ، أي : اضربوا أصابعهم وأطراف أبدانهم كالأيدي والأرجل .

في أعقاب الآية :

هناك روايات في كتب التفسير تفيد أن الملائكة باشرت القتال في معركة بدر ، وقتلت أعدادا من المشركين ، نجد هذا في معالم التنزيل للبغوي ، كما نجده في تفسير الخازن والكشاف ، والفخر الرازي .

وجاء في تفسير أبي السعود ما يأتي : روى عن أبي داود المازني رضي الله عنه – وكان ممن شهد بدرا – أنه قال : اتبعت رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه ، فوقعت رأسه بين يدي ، قبل أن يصل إليه سيفي .

وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال :

لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا يشير بسيفه إلى المشرك ، فتقع رأسه عن جسده ، قبل أن يصل إليه السيف .

وذهب عدد من المفسرين إلى استبعاد أن تكون الملائكة قد باشرت القتال بنفسها ، وإنما كان عمل الملائكة قاصرا على تثبيت المؤمنين ، واستدلوا على ذلك بأن الملك الواحد كفيل بإهلاك قريش ، لو كان يقاتل المشركين مع المؤمنين ، فحيث كان المثبتون من الملائكة ألفا أو أكثر ، فلا بد أن تثبيتهم معنوي لا قتالي .

أما الروايات الواردة التي تفيد أن الملائكة قد باشرت القتال ، فإن المتأمل فيها يجدها بلا أسانيد صحيحة ، فلا يمكن التعويل عليهاxix .

وقد أنكر أبو بكر الأصم قتال الملائكة ثم قال : " إن الملك الواحد يكفي في إهلاك أهل الأرض ، كما فعل جبريل بمدائن قوم لوط ، فإذا حضر هو يوم بدر فأي حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار ؟ "

بل أي حاجة إلى إرسال سائر الملائكة ؟ وأيضا فإن الكفار كانوا مشهودين ، وقاتل كل منهم من الصحابة معلوم . . . " إلخxx .

وإذا تأملنا آيات القرآن الكريم ، وجدنا أنها تفيد أن الله تعالى أمد المؤمنين بالملائكة ، ونحن نؤمن بهذا ، ونكتفي بأن الملائكة ساعدت المؤمنين نوعا من المساعدة سواء أكان ذلك بالقتال أم بتثبيت القلوب وإلقاء الحماس والشجاعة ورفع الروح المعنوية ، وهي أمور لا تقل أهمية عن القتال المباشر فقد ثبت في الحروب الحديثة أن للروح المعنوية أبلغ الأثر في إحراز النصر .