تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانٖ} (12)

ثم قال : ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) الوحي كان يسمى وحيا لسرعة قذفه في القلوب ووقوعه فيها . ولذلك سمى ، والله أعلم ، وساوس الشيطان وحيا بقوله : ( إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم )[ الأنعام : 121 ] أي يقذفون في قلوبهم ، ويدعون إلى أشياء من غير أن علموا بذلك أنه ممن جاء ذلك ؟ وما سبب ذلك ؟ لسرعة قذفه ووقوعه في القلوب . وكذلك سمى الإلهام وحيا لسرعة وقوعه . قال تعالى : ( وأوحى ربك إلى النحل )[ النحل : 68 ] وقيل : هو الإلهام ؛ أي ألهم النحل ( إن اتخذي من الجبال بيوتا )[ النحل : 68 ] وقال عز وجل : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من واء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء )[ الشورى : 51 ] أخبر [ أن ليس ][ في الأصل وم : الناس ] له ( أن يكلمه الله إلا وحيا ) وهو ما ألهمه سمى وحيا لسرعة وقوعه في القلب وقذفه على غير علم منهم أنه من أين كان ؟ ومم كان ؟

وفيه دلالة أن غيره هو الذي أخطر ذلك في القلوب ، وقذف فيها ، لا أنه يحدث بنفسه على غير إخطار أحد ولا قذفه ، فإن كان ما قذف فيه خيرا فهو من الملك ، وإن كان شرا فهو من قذف الشيطان ووسوسته ، ففيه دليل الملك والشيطان ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( إني معكم ) قيل : ( أني معكم ) في النصر والعونة ودفع العدو عنكم . أو يقول ( إني معكم ) في التوفيق . ويحتمل أن يكون قوله : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة ) أي أخبروا[ في الأصل : أخبر ] المؤمنين ( أني معكم ) لما ذكرنا من النصر والمعونة والدفع . وقوله تعالى ( فتبتوا الذين آمنوا ) أمر ملائكته أن يثبتوا الذين آمنوا بالنصر والأمن بعد ما كانوا خائفين [ فشلا جبناء ][ في الأصل وم : فشلين جبنين ] ؛ لما أجابوا ربهم مع ضعف أبدانهم وقلة عددهم أبدلهم[ في الأصل وم : فأبدلهم ] الله مكان الخوف لهم أمنا ومكان الضعف القوة والنصر ومكان الذل العز ، وأبدل المشركين مكان الأمن لهم خوفا ومكان العز الذل ومكان الكثرة الضعف والفشل . فذلك ، والله أعلم ، [ معنى قوله ][ في الأصل : قوله ، ساقطة من م ] : ( سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) وقوله ( فتبتوا الذين آمنوا ) . وجائز أن يكون نفس نزول الملائكة تثبيتهم ؛ لأنهم سبب تثبيتهم ، أو يثبتهم من غير أن علم المؤمنون بهم .

وقوله تعالى : ( فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) قال قائلون : وقله ( فاضربوا فوق الأعناق ) إذا ظفروا بهم ، ووقعوا في أيديهم ، فعند ذلك يضرب فوق الأعناق ، وهو الفصل الذي يبين الرأس بالضرب لم نهى عن المثلة . وفي الضرب في غير ذلك مثلة .

ويحتمل قوله : ( فاضربوا فوق الأعناق ) أي اضربوا الأعناق وما فوق الأعناق ( واضربوا منهم كل بنان )[ معناه ، والله أعلم ، أي اضربوا على ما تهيا لكم من الأطراف وغيرها . وأما قوله ( واضربوا منهم كل بنان ) ][ من م ، ساقطة في الأصل ] في الحرب لأنه لا سبيل في الحرب إلا[ في الأصل وم : إلى ] أن يضرب ضرب[ في الأصل وم : ضربا ] لا يكون مثَلَة . فكأنه قال : فاضربوا فوق الأعناق ، إذا قدرتم عليهم ، ووقعوا في أيديكم ( واضربوا منهم كل بنان ) كيف ما تقدرون وحيث ما تقدرون ، والله أعلم .