غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانٖ} (12)

11

ومن جملة النعم قوله { إذ يوحي ربك } وهو بدل ثالث من { إذ يعدكم } ومنصوب ب { يثبت } أو بذكر أني معكم الخطاب للملائكة والمراد أني معينكم على التثبيت فثبتوهم . وقيل : الخطاب للمؤمنين لأن المقصود من هذا الكلام إزالة التخويف والملائكة ما كانوا يخافون الكفار . وقوله { فثبتوا الذين آمنوا } في هذا التثبيت وجوه : أحدها : أنه مفسر لقوله { سألقي } { فاضربوا } ولا معونة أعظم من إلقاء الرعب في قلوب الكفرة ، ولا تثبيت أبلغ من ضرب أعناقهم واجتماعهما غاية النصرة . وثانيها : أن يراد بالتثبيت أن يخطروا ببالهم ما تقوى به قلوبهم وتصح عزائمهم ونياتهم في القتال فالإلهام من الملائكة كالوسوسة من الشياطين . وثالثها : أن الملائكة كانوا يتشبهون بصور رجال من معارفهم وكانوا يعدونهم النصر والظفر . ومعنى { فوق الأعناق } أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنها مفاصل ، فكان إيقاع الضرب فيها إزالة الرأس من الجسد . وقيل : أراد ضرب إلهام لأن الرؤوس فوق الأعناق . والبنان الأصابع سميت بذلك لأن بها صلاح أحوال الإنسان التي يريد أن يقيمها من أبن بالمكان أي أقام به ، والمراد نفي الأطراف من اليدين والرجلين . ثم اختلفوا فمنهم من قال : المراد أن يضربوهم كما شاؤوا لأن ما فوق العنق هو الرأس وهو أشرف الأعضاء والبنان عبارة عن أضعف الأعضاء فذكر الأشرف والأخس تنبيهاً على كل الأعضاء . بوجه آخر الضرب إما وقع على مقتل أو غير مقتل ، فأمرهم بأن يجمعوا عليهم النوعين معاً . ومنهم من قال : الأوّل إشارة إلى القتل ، وقطع البنان عبارة عن إفناء آلات المدافعة والمحاربة ليعجزوا عن القتال . وجوّز في الكشاف أن يكون قوله { سألقي } إلى قوله { كل بنان } تلقيناً للملائكة ما يثبتونهم به أي قولوا لهم قول سألقي ، أو يكون وارداً على الاستئناف كأنهم قالوا : كيف نثبتهم ؟ فقيل : قولوا لهم قول سألقي . فالضاربون على هذا هم المؤمنون .

/خ19