فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانٖ} (12)

قوله : { إِذ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنّي مَعَكُمْ } الظرف منصوب بفعل محذوف خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لا يقف على ذلك سواه ، أي واذكر يا محمد وقت إيحاء ربك إلى الملائكة . وقيل : هو بدل من { إِذْ يَعِدُكُمُ } كما تقدّم . ولكنه يأبى ذلك أن هذا لا يقف عليه المسلمون ، فلا يكون من جملة النعم التي عدّدها الله عليهم . وقيل : العامل فيه يثبت فيكون المعنى : يثبت الأقدام وقت الوحي ، وليس لهذا التقييد معنى . وقيل العامل فيه : { ليربط } ولا وجه لتقييد الربط على القلوب بوقت الإيحاء . ومعنى الآية : أني معكم بالنصر والمعونة ، فعلى قراءة الفتح للهمزة هو مفعول { يُوحِي } وعلى قراءة الكسر يكون بتقدير القول . ومعنى { فَثَبّتُواْ الذين آمَنُواْ } بشروهم بالنصر ، أو ثبتوهم على القتال بالحضور معهم ، وتكثير سوادهم . وهذا أمر منه سبحانه للملائكة الذين أوحى إليهم بأنه معهم . والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها .

قوله : { سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب } قد تقدّم بيان معنى إلقاء الرعب في آل عمران . قيل : هذه الجملة تفسير لقوله : { إِنّي مَعَكُمْ } ، قوله : { فاضربوا فَوْقَ الأعناق } قيل : المراد الأعناق أنفسها . و{ فَوْقَ } زائدة قاله الأخفش وغيره . وقال محمد بن يزيد : هذا خطأ ، لأن فوق يفيد معنى ، فلا يجوز زيادتها ، ولكن المعنى أنه أبيح لهم ضرب الوجوه وما قرب منها . وقيل المراد بما فوق الأعناق : الرؤوس . وقيل المراد بفوق الأعناق : أعاليها ، لأنها المفاصل الذي يكون الضرب فيها أسرع إلى القطع . قيل : وهذا أمر للملائكة . وقيل للمؤمنين ، وعلى الأوّل قيل هو تفسير لقوله : { فَثَبّتُواْ الذين آمَنُواْ } . قوله : { واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } قال الزجاج : واحد البنان بنانة ، وهي هنا الأصابع وغيرها من الأعضاء ، والبنان مشتق من قولهم أبنّ الرجل بالمكان إذا أقام به ، لأنه يعمل بها ما يكون للإقامة والحياة . وقيل المراد بالبنان هنا : أطراف الأصابع من اليدين والرجلين وهو عبارة عن الثبات في الحرب . فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال ، بخلاف سائر الأعضاء . قال عنترة :

وقد كان في الهيجاء يحمي ذمارها *** ويضرب عند الكرب كل بنان

وقال عنترة أيضاً :

وإن الموت طوع يدي إذا ما *** وصلت بنانها بالهندواني

قال ابن فارس : البنان الأصابع ، ويقال الأطراف .

/خ14