السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوۡ قَاعِدًا أَوۡ قَآئِمٗا فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمۡ يَدۡعُنَآ إِلَىٰ ضُرّٖ مَّسَّهُۥۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡمُسۡرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (12)

ولما حكى تعالى عنهم أنهم يستعجلون في نزول العذاب ، بين أنهم كاذبون في ذلك الطلب والاستعجال بقوله تعالى : { وإذا مس الإنسان } أي : الكافر { الضرّ } أي : المرض والفقر { دعانا لجنبه } أي : على جنبه مضطجعاً { أو قاعداً أو قائماً } وفائدة التردّد تعميم الدعاء لجميع الأحوال أو لأصناف المضار ، والمعنى : أنّه لو نزل بالإنسان أدنى شيء يكرهه ويؤذيه فإنه يتضرّع إلى الله تعالى في إزالته عنه ، وفي دفعه عنه ، وذلك يدل على أنه ليس صادقاً في طلب الاستعجال { فلما كشفنا عنه ضرّه } أي : أزلنا عنه ما نزل به ، { مرّ } أي : مضى على ما كان عليه من الكفر ، { كأن لم يدعنا } أي : كأنه ، فأسقط الضمير على سبيل التخفيف ، ونظيره قوله تعالى : { كأن لم يلبثوا } [ يونس ، 45 ] . { إلى ضرَ مسه } . قال الحسن : نسي ما كان دعا الله فيه ، وما صنع الله به في إزالة ذلك البلاء عنه ، وإنما حمل الإنسان في هذه الآية على الكافر ؛ لأنَّ العمل المذكور لا يليق بالمسلم البتة ، وقول بعضهم : كل موضع في القرآن ورد فيه ذكر الإنسان فالمراد هو الكافر مردود ، فقد قال تعالى : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } [ الإنسان : 1 ] . وقال تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } [ المؤمنون : 12 ] . وقال تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } [ ق ، 16 ] وأما المؤمن إذا ابتلي ببلية ومحنة ، وجب عليه رعاية أمورٍ :

أوّلها : أن يكون راضياً بقضاء الله تعالى غير معترض بالقلب واللسان عليه ، وإنما وجب عليه ذلك ؛ لأنّه تعالى مالك على الإطلاق ، وملك بالاستحقاق ، فله أن يفعل في ملكه ما شاء ، ولأنه تعالى حكيم على الإطلاق ، وهو منزه عن فعل العبث ، فكل ما فعله فهو حكمة وصواب ، فيجب عليه الصبر وترك القلق ، فإن أبقى عليه تلك المحنة فهو عدل ، وإن أزالها عنه فهو فضل .

وثانيها : أنه في ذلك الوقت إن اشتغل بذكر الله تعالى ، والثناء عليه بدلاً عن الدعاء ، كان أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى : «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين » ، ولأنّ الاشتغال بالذكر اشتغال بالحق والاشتغال بالدعاء ، اشتغال بطلب حظ النفس ، ولا شك أنَّ الأوّل أفضل . وثالثها : أنه تعالى إذا أزال عنه تلك البلية وجب عليه أن يبالغ في الشكر ، وأن لا يخلو عن ذلك الشكر في السراء والضراء ، وأحوال الشدّة والرخاء ، فهذا هو الطريق الصحيح عند نزول البلاء ، وحينئذ يكون المؤمن على الضدّ من الكافر ؛ لأنَّ الكافر منهمك في الشهوات ، والإعراض عن العبادات . كما قال تعالى : { كذلك } أي : مثل ما زين لهؤلاء الكافرين هذا العمل القبيح . { زين للمسرفين } أي : المشركين { وما كانوا يعملون } من القبائح لإعراضهم عن الذكر واتباعهم الشهوات ، وإنما سمي الكافر مسرفاً ؛ لأنّه أتلف نفسه بتضييعها في عبادة الأوثان ، وأتلف ماله في البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والمزين هو الله تعالى ؛ لأنه مالك الملك ، والخلق كلهم عبيده يتصرّف فيهم كيف شاء ، وقيل : هو الشيطان وذلك بإقدار الله تعالى إياه على ذلك ، وإلا فهو أخس وأحقر .