السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (11)

ولما وصف الله تعالى الكفار بأنهم لا يرجون لقاء الله ورضوا بالحياة الدنيا ، واطمأنوا بها ، وكانوا عن آيات الله غافلين ؛ بيّن أن مِنْ غفلتهم أنّ الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب جهلاً منهم وسفهاً بقوله تعالى :

{ ولو يعجل الله للناس الشرّ } أي : ولو يعجل الله للناس إجابة دعائهم بالشر فيما لهم فيه مضرة ومكروه { استعجالهم بالخير } أي : كما يحبون أن يعجل لهم إجابتهم بالخير { لقضي إليهم أجلهم } أي : لأهلكهم ، ولكن يمهلهم . نزلت في النضر بن الحارث حين قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم ، ويدل عليه قوله تعالى : { فنذر } أي : فنترك . { الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم } أي : في تمردّهم وعتوهم . { يعمهون } أي : يتردّدون متحيرين . وقال ابن عباس : هذا في قول الرجل عند الغضب لأهله وولده : لعنكم الله ، لا بارك الله فيكم . وقال قتادة : هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وماله بما يكره أن يستجاب له فيه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم إني اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه ، إنما أنا بشر ، فأيّ المؤمنين آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها إليّ يوم القيامة " .

فإن قيل : قابل التعجيل في الآية بالاستعجال ، وكان مقتضى النظم أن يقابل التعجيل بالتعجيل والاستعجال بالاستعجال ، أجيب : بأنَّ تقدير الكلام : ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله للخير حين استعجلوه استعجالاً كاستعجالهم بالخير ، فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه ، وقال في «الكشاف » : أصل هذا الكلام : ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم بالخير إلا أنه وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم بالخير شعاراً بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم ، حتى كان استعجالهم بالخير تعجيل لهم .