السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ} (186)

وسأل جماعة النبيّ صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزل : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } أي : فقل لهم إني قريب ، وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم ، ونحوه قوله تعالى : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ( ق ، 16 ) وقوله تعالى : { أجيب دعوة الداع إذا دعان } أي : بإنالته ما سأل تقرير للقرب ، ووعد للداعي بالإجابة ، وقرأ ورش وأبو عمرو بإثبات الياء فيهما وصلاً لا وقفاً ، واختلف عن قالون فيهما والباقون بحذفها وصلاً ووقفاً .

فإن قيل : ما وجه قوله تعالى : { أجيب دعوة الداع } وقوله : { ادعوني أستجب لكم } ( غافر ، 60 ) وقد يدعى كثيراً فلا يجيب ؟ أجيب : بأنهم اختلفوا في معنى الآيتين فقيل : معنى الدعاء هنا الطاعة ، ومعنى الإجابة الثواب ، وقيل : معنى الآيتين خاص وأن لفظهما عام ، تقديره : أجيب دعوة الداع إن شئت كما قال تعالى : { فيكشف ما تدعون إليه إن شاء } ( الأنعام ، 41 ) أو أجيب دعوة الداع إن وافق القضاء ، أو أجيبه إن كانت الإجابة خيراً له ، أو أجيبه إن لم يسأل محالاً .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يستجيب الله لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل ) قالوا : وما الاستعجال يا رسول الله ؟ قال : يقول قد دعوتك يا رب فلا أراك تستجيب لي فيتحسر عند ذلك فيدع ، أي : يترك الدعاء ) وقيل : هو عام ، ومعنى قوله أجيب أي : أسمع ويقال : ليس في الآية أكثر من إجابة الدعوة ، فأما إعطاء الأمنية فليس بمذكور فيها ، وقد يجيب السيد عبده ، أو الوالد ولده ثم لا يعطيه سؤله ، فالإجابة لا محالة عند حصول الدعوة ، وقيل : معنى الآية : أنه لا يخيب دعاءه ، فإن قدر له ما سأل أعطاه ، وإن لم يقدر له ادخر الثواب له في الآخرة ، أو كف عنه به سوءاً لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما على الأرض رجل مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو كف عنه من السوء بمثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ) . وقيل : إنّ الله يجيب دعوة المؤمن في الوقت ويؤخر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته ، ويعجل إعطاء من لا يحبه لأنه يبغض صوته . وقيل : إنّ للدعاء آداباً وشرائط ، وهي أسباب الإجابة ، فمن استكملها كان من أهل الإجابة ، ومن أخلّ بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الجواب . { فليستجيبوا لي } إذا دعوتهم للإيمان والطاعة ، كما أجيبهم إذا دعوني بمهماتهم ، وقوله تعالى : { وليؤمنوا بي } أمر بالثبات والمداومة على الإيمان { لعلهم } أي : لكي { يرشدون } والرشد إصابة الحق .