و{ ما } في قوله تعالى : { وما تلك بيمينك } مبتدأ استفهامية و{ تلك } خبره و{ بيمينك } حال من معنى الإشارة وقوله تعالى : { يا موسى } تكرير لأنه ذكره قبل في قوله تعالى : { نودي يا موسى } وبعد في مواضع ك { ألقها يا موسى } لزيادة الاستئناس والتنبيه .
فإن قيل : السؤال إنما يكون لطلب العلم وهو على الله تعالى محال فما الفائدة في ذلك ؟
أجيب : بأنّ في ذلك فوائد ؛ الأولى : توقيفه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنها معجزة عظيمة وهذا على عادة العرب يقول الرجل لغيره هل تعرف هذا ؟ وهو لا يشك أنه يعرفه ويريد أن يضم إقراره بلسانه إلى معرفته بقلبه . الثانية : أن يقرّر عنده أنها خشبة حتى إذا قلبها ثعباناً لا يخافها . الثالثة : أنه تعالى لما أراه تلك الأنوار المتصاعدة من الشجرة إلى السماء وأسمعه كلام نفسه ثم أورد عليه التكليف الشاق وذكر له المعاد وختم ذلك بالتهديد العظيم فتحير موسى عليه السلام ودهش فقيل له : { وما تلك بيمينك يا موسى } ؟ وتكلم معه بكلام البشر إزالةً لتلك الدهشة والحيرة .
فإن قيل : هذا خطاب من الله تعالى لموسى بلا واسطة ولم يحصل ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم أجيب : بالمنع فقد خاطبه في قوله تعالى : { فأوحى إلى عبده ما أوحى } [ النجم ، 10 ] إلا أنّ الذي ذكره مع موسى عليه السلام أفشاه إلى الخلق والذي ذكره مع محمد صلى الله عليه وسلم كان سراً لم يؤهل له أحد من الخلق وأيضاً إن كان موسى تكلم معه فأمة محمد يخاطبون الله تعالى في كل يوم مراراً على ما قاله صلى الله عليه وسلم : «المصلي يناجي ربه والرب يتكلم مع آحاد أمة محمد يوم القيامة بالتسليم والتكريم لقوله تعالى : { سلام قولاً من رب رحيم } [ يس ، 58 ] " .
تنبيه : قوله تعالى : { وما تلك } إشارة إلى العصا وقوله تعالى : { بيمينك } إشارة إلى اليد وفي هذا نكت ذكرها الرازي رحمه الله تعالى الأولى : أنه تعالى لما أشار إليهما جعل كل واحدة منهما معجزة قاهرة وبرهاناً ساطعاً ونقله من حدّ الجمادية إلى مقام الكرامة ، فإذا صار الجماد بالنظر الواحد حيواناً صار الجسم الكثيف نورانياً لطيفاً ثم إنه تعالى ينظر كل يوم ثلاثمائة وستين مرّة إلى قلب العبد فأيّ عجب لو انقلب قلبه من موت العصيان إلى السعادة بالطاعة ونور المعرفة . ثانيها : أنّ بالنظر الأول الواحد صار الجماد ثعباناً فبلغ سحر النفس الأمارة بالسوء . ثالثها : أن العصا كانت في يمين موسى عليه السلام فبسبب بركته انقلبت ثعباناً فبلع سحر السحرة فأيّ عجب لو صار القلب ثعباناً وبرهاناً وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن فإذا حصلت ليد موسى عليه السلام هذه المنزلة فأي عجب لو انقلب قلب المؤمن بسبب أصبعي الرحمن من ظلمة المعصية إلى نور العبودية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.