السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا} (18)

{ قالوا سبحانك } أي : تنزيهاً لك عما لا يليق بك ، أو تعجباً مما قيل لهم ؛ لأنهم إما ملائكة أو أنبياء معصومون فما أبعدهم عن الضلال الذي هو مختص بإبليس وجنوده ، أو جمادات وهي لا تقدر على شيء ، أو إشعاراً بأنهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده ، فكيف يليق بهم إضلال عبيده ؟ { ما كان ينبغي } أي : يستقيم { لنا أن نتخذ } أي : نتكلف أن نأخذ باختيارنا بغير إرادة منك { من دونك } أي : غيرك { من أولياء } للعصمة أو لعدم القدرة ، فكيف يستقيم لنا أن نأمر بعبادتنا ؟ فإن قيل : ما فائدة أنتم وهم ، وهلا قيل : أأضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل ؟ أجيب : بأن السؤال ليس عن الفعل ووجوده ؛ لأنه لولا وجوده ؛ لما توجه هذا العتاب ، وإنما هو عن متوليه فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام حتى يعلم أنه المسؤول عنه .

تنبيه : من أولياء مفعول أول ، ومن زائدة لتأكيد النفي ، وما قبله المفعول الثاني ، ولما تضمن كلامهم أنا لم نضللهم ولم نحملهم على الضلال حسن الاستدراك بقولهم : { ولكن متعتهم وآباءهم } وهو أن ذكروا سببه أي : أنعمت عليهم وعلى آبائهم من قبلهم بأنواع النعم والصحة وطول العمر في الدنيا ، فجعلوا ذلك ذريعة إلى ضلالهم عكس القضية { حتى نسوا الذكر }أي : تركوا الإيمان بالقرآن ، وقيل : تركوا ذكرك وغفلوا عنه { وكانوا } أي : في علمك بما قضيت عليهم في الأزل { قوماً بوراً } أي : هلكى ، وهو مصدر وصف به ، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع ، أو جمع بائر كعائذ وعوذ .