السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (10)

ثم أرى الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام آية تدلّ على قدرته ليعلم علم شهود وهي قوله تعالى : { وألق عصاك } فألقاها كما مرّ فصارت في الحال ، كما آذنت به الفاء حية عظيمة جدّاً ، ومع كونها في غاية العظم هي في نهاية الخفة والسرعة في اضطرابها عند محاولتها ما تريد { فلما رآها تهتز } أي : تضطرب في تحرّكها مع كونها في غاية الكبر { كأنها جان } أي : حية صغيرة في خفتها وسرعتها فلا ينافي ذلك كبر جثتها { ولى } أي : موسى عليه السلام ثم إنّ التولية مشتركة بين معان ، فلذا بين المراد منها بقوله تعالى : { مدبراً } أي : التفت هارباً منها مسرعاً جدّاً لقوله تعالى : { ولم يعقب } أي : لم يرجع على عقبه ولم يلتفت إلى ما وراءه بعد توليه .

تنبيه : قال الزمخشري : وألق عصاك معطوف على بورك لأنّ المعنى نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك كلاهما تفسير لنودي ، والمعنى قيل : له : بورك من في النار ، وقيل له : ألق عصاك انتهى . وإنما احتاج إلى تقدير وقيل له ألق لتكون جمله خبرية مناسبة للجملة الخبرية التي عطفت عليها لأنه يرى في العطف تناسب الجمل المتعاطفة ، والصحيح كما قاله أبو حيان : أنه لا يشترط ذلك . ولما تشوّفت النفس إلى ما قيل له عند هذه الحالة أجيب : بأنه قيل له { يا موسى لا تخف } أي : منها ولا من غيرها ثقة بي ، ثم علل هذا النهي بقوله تعالى : مبشراً بالأمن والرسالة { إني لا يخاف لديّ } أي : عندي { المرسلون } أي : من حية وغيرها لأنهم معصومون من الظلم لا يخاف من الملك العدل إلا ظالم .