السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا} (28)

ولما أرشد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى جانب ما يتعلق بجانب التعظيم لله تعالى بقوله تعالى : { يا أيها النبي اتق الله } ذكر ما يتعلق بجانب الشفقة ، وبدأ بالزوجات فإنهن أولى الناس بالشفقة ولهذا قدمهن في النفقة فقال : { يا أيها النبي قل لأزواجك } أي : نسائك { إن كنتن } أي : كوناً راسخاً { تردن } أي : اختياراً على { الحياة } ووصفها بما يزهد فيها ذوي الهمم ، ويذكر من له عقل بالآخرة بقوله تعالى : { الدنيا } أي : ما فيها من السعة والرفاهية والنعمة { وزينتها } أي : المنافية لما أمرني به ربي من الإعراض عنه واحتقاره من أمرها لأنها أبغض خلقه إليه لأنها قاطعة عنه { فتعالين } أصله أن الآمر يكون أعلى من المأمور فيدعوه أن يرفع نفسه إليه ، ثم كثر حتى صار معناه أقبل وهو هنا كناية عن الأخبار والإرادة بعلاقة أن المخبر يدنو إلى من يخبره { أمتعكن } أي : بما أحسن به إليكن من متعة الطلاق ، وهي واجبة لزوجة لم يجب لها نصف مهر فقط بأن وجب لها جميع المهر ، أو كانت مفوضة لم توطأ ولم يفرض لها شيء صحيح .

أما في الأولى : فلأن المهر في مقابلة منفعة بضعها ، وقد استوفاها الزوج فتجب للإيحاش المتعة ، وأما في الثانية : فلأن المفوضة لم يحصل لها شيء ، فيجب لها متعة للإيحاش ، بخلاف من وجب لها النصف فلا متعة لها لأنه لم يستوف منفعة بضعها فيكفي نصف مهرها للإيحاش . هذا إذا كان الفراق لا بسببها ، وسن أن لا تنقص عن ثلاثين درهماً أو ما قيمته ذلك ، وأن لا تبلغ نصف المهر ، فإن تراضيا على شيء فذاك ، وإلا قدرها قاض باجتهاده بقدر حالهما من يساره وإعساره ونسبها وصفاتها قال تعالى { ومتّعوهن على الموسع قدره وعلى المُقتر قدره } ( البقرة : 236 ) { وأسرّحكن } أي : من حبالة عصمتي { سراحاً جميلاً } أي : طلاقاً من غير مضارة ولا نوع حطة ولا مقاهرة .