السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ} (15)

ثم أتبعه تهويلاً ثالثاً بقوله تعالى : { ويل يومئذ } أي : إذ يكون يوم الفصل { للمكذبين } أي : بذلك ، قال القرطبي : ويل عذاب وخزي لمن كذب بالله تعالى وبرسله وكتبه وبيوم الفصل ، وهو وعيد وكرّره في هذه السورة عند كل آية كأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم ، فإنّ لكل مكذب بشيء عذاباً سوى عذاب تكذيبه بشيء آخر ، ورب شيء كذب به هو أعظم جرماً من تكذيبه لغيره ؛ لأنه أقبح في تعظيمه وأعظم في الردّ على الله تعالى ، وإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك وعلى قدر وفاقه ، وهو قوله تعالى : { جزاء وفاقاً } [ النبأ : 26 ] . وقيل : كرره لمعنى تكرار التخويف والوعيد ، وروي عن النعمان بن بشير قال : ويل واد في جهنم فيه ألوان العذاب ، وقاله ابن عباس وغيره ، وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال : «عرضت عليّ جهنم فلم أر فيها وادياً أعظم من الويل » ، وروي أيضاً أنه مجمع ما يسيل من قيح أهل النار وصديدهم ، وإنما يسيل الشيء فيما سفل من الأرض ، وقد علم العباد في الدنيا أنّ شرّ المواضع ما استنقع فيها مياه الأدناس والأقذار والغسالات والجيف وماء الحمامات ، فذكر أنّ الوادي مستنقع صديد أهل الكفر والشرك ليعلم العاقل أنه لا شيء أقذر منه قذارة ولا أنتن منه نتناً .

تنبيه : ويل مبتدأ ، وسوّغ الابتداء به الدعاء ، ويومئذ ظرف للويل وللمكذبين خبره . وقال الزمخشري : فإن قلت كيف وقع النكرة مبتدأ ؟ قلت : هو في أصله مصدر منصوب ساد مسدّ فعله لكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه ونحوه { سلام عليكم } [ الرعد : 24 ] واعترض بأنّ الذي ذكره ليس من المسوّغات التي ذكرها النحويون ، وإنما المسوغ كونه دعاء وفائدة العدول إلى الرفع ما ذكره .