إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص مختلف فيها ، وآيها أربع .

{ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } الضميرُ للشأنِ ، ومدارُ وضعِهِ وموضِعِهِ معَ عدمِ سبقِ ذكرِه الإيذانُ بأنَّه منَ الشهرةِ والنباهةِ بحيثُ يستحضرُهُ كلُّ أحدٍ ، وإليهِ يشيرُ كُلُّ مشيرٍ ، وإليهِ يعودُ كلُّ ضميرٍ ، كما ينبئُ عَنْهُ اسمُهُ الذي أصلُهُ القصدُ ، أطلقَ عَلى المفعولِ مبالغةً ، ومحلُّه الرفعُ عَلى الابتداءِ خبرُهُ ، الجملةُ بعدَهُ ، ولا حاجةَ إلى الربطِ ؛ لأَنَّها عينُ الشأنِ الذي عبرَ عَنْهُ بالضميرِ ، والسرُّ في تصديرِ الجملةِ بهِ التنبيهُ منْ أولِ الأمرِ عَلى فخامةِ مضمونِهَا ، وجلالةِ حيزِهَا معَ مَا فيهِ منْ زيادةِ تحقيقٍ وتقريرٍ ، فإنَّ الضميرَ لا يُفهمُ من أولِ الأمرِ إلا شأنٌ مبهمٌ لهُ خطرٌ جليلٌ فيبقى الذهنُ مترقباً لما أمامَهُ مما يفسرُهُ ويزيلُ إبهامَهُ ، فيتمكنُ عندَ ورودِهِ لَهُ فضلُ تمكنٍ ، وهمزةُ أحدٍ مُبدلةٌ منْ الواوِ ، وأصلُهُ وَحَدٌ لاَ كهمزةِ ما يلازمُ النفيَ ، ويرادُ بهِ العمومُ كمَا في قولِهِ تعالَى : { فَمَا مِنكُم منْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين } [ سورة الحاقة ، الآية 47 ] ، ومَا في قولِهِ عليهِ السلامُ : " ما أحلتْ الغنائمُ لأحدٍ سودِ الرؤوسِ غيرِكُم ، فإنَّها أصليةٌ " . وقالَ مكيٌّ : أصلُ أحدٍ واحدٌ ، فأبدلتْ الواوُ همزةً فاجتمعَ ألفانِ ؛ لأنَّ الهمزةَ تشبهُ الألفَ ، فحذفتْ إحداهُمَا تخفيفاً . وقالَ ثعلبٌ : إنَّ ( أحدٌ ) لا يُبنى عليهِ العددُ ابتداءً ، فلا يقالُ : أحدٌ واثنانِ كَما يقالُ واحدٌ واثنانِ ، ولا يقالُ : رجلٌ أحدٌ كما يقالُ رجلٌ واحدٌ ، ولذلكَ اختصَّ بهِ تعالَى ، أوْ هُوَ لما سئِلَ عَنْهُ ، أيِ الذي سألتُم عنْهُ هُو الله ؛ إذ رُوِيَ أنَّ قريشاً قالُوا : صِفْ لَنَا ربكَ الذي تدعونَا إليهِ ، وانسُبْهُ ، فنزلتْ ، فالضميرُ مبتدأٌ ، والله خبرُهُ ، وأحدٌ بدلٌ منْهُ ، أو خبرٌ ثانٍ ، أو خبرُه مبتدأٍ محذوفٍ . وقُرِئَ { هُوَ الله أحدٌ } بغيرِ قُلْ ، وقُرِئ ( الله أحدٌ ) بغيرِ ( قُلْ هُوَ ) ، وقُرِئ ( قُلْ هُوَ الواحدُ ) .