{ مَن كَفَرَ بالله } ، أي : تلفظ بكلمة الكفر ، { مِن بَعْدِ إيمانه } به تعالى ، وهو ابتداءُ كلامٍ لبيان حالِ من كفر بآيات الله بعدما آمن بها ، بعد بيان حالِ من لم يؤمن بها رأساً ، و " مَنْ " ، موصولةٌ ومحلُّها الرفعُ على الابتداء ، والخبرُ محذوفٌ لدِلالة الخبرِ الآتي عليه أو هو خبرٌ لهما معاً ، أو النصبُ على الذم ، { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ } على ذلك بأمر يخاف على نفسه أو على عضو من أعضائه ، وهو استثناءٌ متّصلٌ من حكم الغضبِ والعذاب أو الذمّ ؛ لأن الكفرَ لغةٌ تتم بالقول كما أشير إليه قوله تعالى : { وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان } ، حالٌ من المستثنى ، والعاملُ هو الكفرُ الواقع بالإكراه ؛ لأن مقارنةَ اطمئنان القلبِ بالإيمان للإكراه لا تجدي نفعاً ، وإنما المجدي مقارنتُه للكفر الواقعِ به ، أي : إلا مَنْ كفر بإكراه وإلا من أُكره فكفر ، والحالُ أن قلبه مطمئنٌّ بالإيمان لم تتغير عقيدتُه ، وإنما لم يصرَّح به إيماءً إلى أنه ليس بكفر حقيقة ، وفيه دليلٌ على أن الإيمانَ هو التصديقُ بالقلب ، { ولكن مَّن } لم يكن كذلك بل { شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا } ، أي : اعتقده وطاب به نفساً ، { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } عظيم لا يُكتنه كُنهه ، { مِنَ الله } ، إظهارُ الاسم الجليلِ ؛ لتربية المهابة ، وتقويةٌ لعظيم العذاب ، { وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } ؛ إذ لا جُرم أعظمُ من جرمهم ، والجمعُ في الضميرين المجرورين لمراعاة جانبِ المعنى ، كما أن الإفراد في المستكنّ في الصلة لرعاية جانبِ اللفظ . روي أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه ياسرا وسمية على الارتداد فأباه أبواه ، فربطوا سمية بين بعيرين ووجئت{[489]} بحربة في قبلها ، وقالوا : إنما أسلمت من أجل الرجال فقتلوها وقتلوا يسارا وهما أول قتيلين في الإسلام ، وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوا عليه فقيل : يا رسول الله إن عمارا كفر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه " ، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال : " ما لك ، إن عادوا لك فعد لهم بما قلت " ، وهو دليل على جواز التكلم بكلمة الكفر عند الإكراه الملجئ ، وإن كان الأفضل أن يتجنب عنه إعزازا للدين كما فعله أبواه . وروى أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين ، فقال لأحدهما : ما تقول في محمد ؟ قال : رسول الله ، قال : فما تقول فيّ ؟ قال : أنت أيضا فخلاه ، وقال للآخر : ما تقول في محمد ؟ قال : رسول الله . قال : فما تقول فيّ ؟ قال : أنا أصم ، فأعاد ثلاثا فأعاد جوابه ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أما الأول فقد أخذ برخصة ، وأما الثاني فقد صدع بالحق " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.